وقال الأخفش : والفصل بين الجر والنصب في قولك : " ما أنت كزيد ، ولا شبيها به" أنك إذا جررت" الشبيه" ، فقد أثبت شبيها ، وإذا نصبت لم تثبت هاهنا شبيها بزيد وقد بينا هذا.
هذا باب الإضمار
في" ليس" و" كان" كالإضمار في" إنّ"
(إذا قلت : " إنه من يأتنا نأته" ، و" إنه أمة الله ذاهبة" فمن ذلك قول العرب : " ليس خلق الله مثله" ، فلو لا أن فيه إضمارا ، لم يجز أن تذكر الفعل ، ولم تعمله في اسم ، ولكن فيه من الإضمار مثل ما في" إنه" وسوف نبين حال هذا الإضمار ، وكيف هو إن شاء الله تعالى).
قال أبو سعيد : اعلم أن كل جملة فهي حديث أمر وشأن ، والعرب قد تقدم قبل الجمل ضمير الأمر والشأن ، ثم تأتي بالجملة ، فتكون الجملة هي خبر الأمر والشأن ؛ لأن الجملة هي الأمر والشأن وهذا الذي يسميه الكوفيون المجهول. فمن ذلك قولهم : " إنه أمة الله ذاهبة" و" إنه زيد ذاهب"." فالهاء" ضمير الأمر و" زيد ذاهب" مبتدأ ، وخبره في موضع خبر الأمر والشأن ، و" إنه من يأتنا نأته" ، و" إنه قام عبد الله". فالهاء في هذه المواضع هي الاسم ، وما بعدها من الجملة خبر ، ولا يجوز حذفها إلا في الشعر ، لا يجوز أن تقول : " إن زيد ذاهب" على معنى : إنه زيد ذاهب في الكلام. وقد جاء في الشعر. قال الشاعر :
إنّ من لام في بني بنت حسّا |
|
ن ألمه وأعضه في الخطوب (١) |
أراد : " إنه".
وربما جعلوا مكان ضمير الأمر والشأن ضمير القصة. فيقولون : " إنها جاريتك منطلقة" ، قال الله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ)(٢) تقديرها : فإن القصة : وأكثر ما يجيء إضمار القصة مع المؤنث ، وإضمارها مع المذكر جائز في القياس ، ومن ذلك : " كان زيد ذاهب" ، و" كان قام زيد" تريد : كان الأمر والشأن زيد ذاهب. ففي" كان" ضمير
__________________
(١) البيت منسوب إلى الأعشى في ديوانه ق ٦٨ / ١٢ ، الإنصاف ١ / ١٨٠ ، الخزانة ٢ / ٤٦٣ ؛ ٣ / ٦٥٤.
(٢) سورة الحج ، الآية ٤٦.