هذا باب الأمر والنهي
" الأمر والنهي يختار فيهما النصب ، في الاسم الذي يبنى عليه الفعل ، ويبنى على الفعل".
قال أبو سعيد : اعلم أن الأمر والنهي هما بالفعل فقط ؛ لأنك إنما تأمر بإيقاع فعل ، وتنهى عن إيقاع فعل ، وربما أمرت باسم هو في المعنى واقع موقع الفعل كقولك : " عندك زيدا" و" دونك زيدا" في معنى : خذ زيدا ، وكقولك : " حذار زيدا" في معنى : احذر زيدا.
فإذا كان الأمر على هذا ، ثم أتيت باسم ، قد بني الفعل بعده على ضميره نصبته ، لإضمار فعل ، على نحو ما ذكرنا في الاستفهام ، فقلت : " زيدا اضربه" ، على تقدير : اضرب زيدا اضربه ، و" زيدا لا تشتمه" على تقدير : لا تشتم زيدا لا تشتمه.
وكان النصب في الأمر والنهي أولى وأقوى من الاستفهام ؛ من قبل أن الأمر والنهي لا يكون إلا بفعل على ما ذكرنا ، وقد يكون الاستفهام بغير فعل ، كقولك : " أزيد أخوك" ، و" أعبد الله عندك".
ومن ذلك أيضا : " أمّا زيدا فاقتله" و" أمّا عمرا فاشتر له ثوبا" ، و" أمّا خالدا فلا تشتم أباه" ، و" أمّا بكرا فلا تمرر به" ، وذلك أن ما بعد" أمّا" كالكلام المستأنف ، فنصبته على ما ذكرنا من النصب في الأمر ، ولم تقدّر الفعل بعد" أمّا" ؛ لأنها لا يليها الفعل ، ولكن تقدّر الفعل بعد الاسم بلا ضمير ، وتعدّيه إلى الاسم وتحذفه ، ثم تأتي بالفعل الواقع على الضمير ، فتفسر به الفعل المحذوف ، فيكون تقديره : " أمّا زيدا فاقتل قاتله" وأمّا بكرا فلا تلق فلا تمرر به ، وأما خالدا فلا تهن فلا تشتم أباه ، ولا بد من الفاء بعد" أمّا".
ومنه : " زيدا ليضربه عمرو" ، و" بشرا ليقتل أباه خالد" ؛ لأنه أمر للغائب فهو كالمخاطب في باب الأمر ، وقد يجوز فيه الرفع ، وذلك قولك : " عبد الله اضربه" و" أمّا زيد فاقتله" ، وذلك أن الأمر فعل ومعه فاعله ، فهو جملة ، فجئت بالاسم مبتدأ ، وجعلت الجملة في موضع خبره ، وأدخلت الفاء بعد" أمّا" ، ولم تدخلها إذا بدأت بالاسم ؛ لأنك جعلت الأمر في موضع الخبر ، فإذا قلت : " زيدا اضربه" كان كقولك : " زيد منطلق" ولو قلت :