بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو سعيد : قال سيبويه :
هذا باب «علم ما الكلم من العربية»
هذا موضوع كتابه الذي نقله عنه أصحابه ، ويسأل في ذلك عن أشياء :
فأولها : أن يقال : إلام أشار سيبويه بقوله : " هذا". والإشارة بها تقع إلى حاضر؟
فالجواب عن ذلك أنه يحتمل ثلاثة أوجه ، أحدها : أن يكون أشار إلى ما في نفسه من العلم ، وذلك حاضر ، كما يقول القائل : " قد نفعنا علمك هذا الذي تبثه ، وكلامك هذا الذي تتكلم به". والثاني : أن يكون أشار إلى متوقّع قد عرف وانتظر وقوعه في أقرب الأوقات إليه. فجعله كالكائن الحاضر تقريبا لأمره ، كقوله : " هذا الشتاء مقبل". و" هذا الخليفة قادم" ، ومثله قول الله عزوجل : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ)(١).
والثالث : أن يكون وضع كلمة الإشارة غير مشير بها ؛ ليشير بها عند الحاجة. والفراغ من المشار إليه. كقولك : " هذا ما شهد عليه الشهود المسمّون في هذا الكتاب" وإنما وضع ليشهدوا وما شهدوا بعد.
وأما" علم" فمصدر ، إما أن يكون مصدر أن تعلم أو أن يعلم ، لأن المصادر العاملة عمل الأفعال تقدر بأن الخفيفة والفعل بعدها.
فإذا قدّر" علم" بأن تعلم ، كان الكلام على" ما" من ثلاثة أوجه : أحدها : أن تكون استفهاما ، فإذا كانت كذلك كان لفظها رفعا ، لو تبين الإعراب فيه ، ويكون ارتفاعه بالابتداء ، ويكون" الكلم" خبره ، أو يكون" الكلم" الابتداء ، و" ما" خبر مقدمة ، ويكون موضع الجملة التي هي ابتداء وخبر نصبا ، ويكشف هذا المعنى لك أنك لو جعلت مكانها" أيّا" لقلت" هذا باب علم أي شيء الكلم من العربية ، فترفع" أيّ" ويكون موضعها مع الكلم نصبا ، لأنك أردت : هذا باب أن تعلم.
فإذا لم تكن استفهاما قلت : هذا باب علم مسألتك ، وتبين الإعراب فيه ؛ لأنه ليس باستفهام يمتنع عمل ما قبله فيه ، وإنما لم يعلم ما قبل" أيّ" و" ما" والأسماء التي يستفهم بها فيها ، من قبل أن هذه الأسماء المستفهم بها نائبة عن ألف الاستفهام ، متضمنة لمعناها ،
__________________
(١) سورة الرحمن ، آية ٤٣.