أخاه" فقد وقع الفعل على سببه. وكذلك إذا قلت : " لقيت زيدا وعمرا مررت به" ، فنصبه أضعف من نصب و" عمرا كلمته" ؛ لأن الفعل وقع على ضميره بلا حرف. ومتى ما كان النصب أضعف كان الرفع أقوى فوجب من هذا أن يكون" عبد الله لقيت وعمرو ولقيت أخاه" ، الرفع أقوى في" عمرو" من قولك : " وعمرو لقيته" إذ كان النصب في" وعمرو لقيت أخاه" أضعف.
فأما قول الله تعالى : (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ)(١).
فإنما اختير الرفع في الثاني ، وإن كان قبله جملة مبنية على فعل ، من قبل أن هذه الواو ليست بواو عطف ، فيكون حكمها ما ذكرنا ، وإنما هي واو الابتداء تقع للحال كقولك : " لقيت زيدا وأبوه قائم" و" رأيت أباك وعمرو منطلق" ، وإنما أردت : " لقيت زيدا" في حال : أبوه فيها قائم ، وكذلك قوله تعالى : (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ)(٢) ، كأنه قال : يغشى طائفة منكم في حال طائفة قد أهمتهم أنفسهم ، أو يغشى طائفة منكم إذ طائفة قد أهمتهم أنفسهم. وهذه الواو تسمى واو الابتداء ، وقد يجوز النصب على أن تجعلها واو عطف بإضمار : وتهم طائفة أنفسهم قد أهمتهم أنفسهم ، ويجوز أن تجعلها واو عطف ، وترفع على ما ذكرنا ما قولك : " لقيت زيدا وعمرو كلمته". إلا أنا جعلناها واو الابتداء ؛ لأن القراءة بالرفع فحملناه على أجود الوجوه في المرفوع.
قال : (ومما يختار فيه النصب قوله : " ما لقيت زيدا ولكن عمرا مررت به" و" ما لقيت زيدا بل خالدا لقيت أخاه").
جعل ما بعد" بل" و" لكن" بمنزلة ما بعد الواو فيما مضى ؛ لأن" بل" و" لكن" من حروف العطف ، كما أن الواو من حروف العطف ، فما بعدهما كما بعد الواو إذا تقدمت جملة مبنية على فعل وإن كان قبلها حرف نفي ، فيكون بمنزلة قولك : " لقيت زيدا وعمرا لم ألقه" ؛ لأن الفعل الذي بعد" لم" وإن كان منفيا في العمل بمنزلة الموجب ، فتنصب" عمرا" كما تنصبه إذا قلت : " وعمرا لقيته" ، ويكون الإضمار : ولم ألق عمرا لم
__________________
(١) سورة آل عمران ، آية : ١٥٤.
(٢) المصدر السابق.