قال : (فإن قلت : " قد لقيت زيدا وأما عمرو فقد مررت به" ، و" لقيت زيدا فإذا عبد الله يضربه عمرو" فالرفع ، إلا في قول من قال : " زيدا رأيته وزيدا مررت به" ، لأن" أما" و" إذا" يقطع بهما الكلام ، وهما من حروف الابتداء ، يصرفان الكلام إلى الابتداء ، إلا أن يدخل عليهما ما ينصب ، ولا يحمل بواحد منهما آخر على أول ، كما يحمل ب" ثم" و" الفاء").
يعني : أن" أما" ليست من حروف العطف ، وهي تقطع ما بعدها مما قبلها فإذا كان ما قبلها جملة مصدرة بفعل ، لم يختر في الاسم الذي بعدها النصب بإضمار فعل ، كما اختير ذلك في حروف العطف ؛ لأنك تقول في حروف العطف : " لقيت زيدا وعمرا مررت به" ، وهو الاختيار ، وتقول في" أما" : " لقيت زيدا وأما عمرو فقد مررت به" ، فيكون ما بعد" أما" بمنزلة جملة ليس قبلها شيء ، ومن قال في الابتداء : " أزيدا ضربته" وقال : " زيدا مررت به" ، وليس بالاختيار ، قال في هذا : " أما عمرا فقد مررت به".
و" إذا" بمنزلة" أما" ، وذلك أن ما بعدها لا يكون معطوفا على ما قبلها ب" إذا" ، وهي للاستئناف وأما قول الشاعر :
فقال لي المكّي أمّا لزوجة |
|
فسبع ، وأمّا خلّة فثمان |
فإنه لم يعطف" خلة" على" زوجة" ؛ لأن" أما" الثانية قد منعت من ذلك وحالت دونه ، ولكنه أضمر اللام لضرورة الشعر ، وحذفها اكتفاء باللام الأولى وهو قبيح جدا.
ومعنى قوله : (إلا أن يدخل عليها ما ينصب).
يعني : إلا أن تدخل على ما بعد" أما" ، و" إذا" ، فتقول : " لقيت زيدا وأما عمرا فضربته" ، أو ما يجر ، فتقول : " وأما بعمرو فمررت" ، و" لقيت زيدا وإذا عبد الله يضربه بكر" ، فما بعدها بمنزلة المبتدأ ، حتى يدخل عليهما ما ينصب أو يجر.
قال : (ألا ترى أنهم قرءوا (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ)(١) وقبله نصب).
يعني : أن قوله (ثمود) مرفوع بالابتداء ، وإن كان (فهديناهم) قد وقع على ضميره وقبله منصوب ، وهو قوله : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً)(٢) ، ولو كان بمنزلة
__________________
(١) سورة فصلت ، آية : ١٧.
(٢) سورة فصلت ، آية : ١٦.