إلا بإضمار مبتدأ وخبر على ما بيّنّا.
قال وأما قول عدي بن زيد :
أروّاح مودّع أم بكور |
|
أنت فانظر لأيّ ذاك تصير (١) |
ويروى : " لك" فانظر لأيّ حال تصير" ولا شاهد فيه ، وإنما جاء سيبويه بهذا البيت لقوله : " أنت فانظر" ، وهو يشبه : " زيد فاضربه" ، وقد قال : " زيد فاضربه" لا يجوز إلا على إضمار ؛ بسبب دخول الفاء ، وقد دخلت الفاء في قوله : " فانظر" فتأول ذلك على وجوه أراد بها تصحيح دخول الفاء ، وأنها علي غير الوجه الذي أفسد دخولها فيه ، وجملة تأوله ثلاثة أوجه ، وعندي وجه رابع قريب التأويل.
فأما الوجوه التي ذكرها سيبويه ، فأن ترفع" أنت" بفعل مضمر يفسره الفعل المظهر الذي فيه ضميره ، كأنك قلت : انظر أنت فانظر ، كما تقول : " أزيد ضرب عمرا" و" أزيد ضرب غلامه عمرو" ، فرفعت بفعل مضمر ؛ إذ كان الظاهر فيه ضمير مرفوع.
والوجه الثاني : أن تجعل" أنت" مبتدأ ، وتضمر له خبرا ، وتجعل الفاء جوابا للجملة كأنه قال : أنت الراحل ، كما تقول : أنت الهالك ، ثم تحذف فتقول : " أنت" ؛ لدلالة الحال عليه ، كما قال : " إذا ذكر إنسان لشيء قال الناس : أنت ، وقد قال الناس زيد" وهذا في كلام الناس مشهور كثير ، وهو كقولك لمن تخاطب إذا وصفته بالشجاعة : إذا ذكر الناس والشجاعة قال الناس : أنت ، وإذا ذكر النحو قال الناس : الخليل ، أي أنت شجاع ، والخليل نحويّ.
والوجه الثالث : أن تجعل" أنت" خبرا ، كأنك قلت : نويت الراحل أنت ، وجعلت في نيّتك المبتدأ ، وقال سيبويه في هذا الوجه الثالث : " وهذا على قولك : شاهداك ، أي ما يثبت لك شاهداك".
ومعنى هذا أن يتقدم رجلان إلى حاكم أو غيره فيدعي أحدهما على الآخر شيئا فينكره ، فيقول الحاكم : " شاهديك" وإن شاء قال : " شاهداك" فإن قال شاهديك فمعناه أحضر شاهديك ، أو هات شاهديك ، وإن قال : " شاهداك" فمعناه الشيء الذي يثبت
__________________
(١) الخزانة ١ / ١٨٣ ، الدرر ١ / ٧٩ ، الهمع ١ / ١١٠.