كان يحسد الناس على ما منحهم الله من فضله ، أو كان يراعي في عمله ، أو كان العُجب يأخذ من نفسه مأخذاً ، وكان يعتبر ذلك لا مؤاخذة فيه باعتبار أن الذنوب هي التي تصدر من الجوارح . أما الأمور القلبية فلا شيء عليها سواءً كان في قيامه بهذه الأمور النفسية قد كتم ، أو أعلن ، أو أخفاه ، أو أظهر . وربما فرق بين الكتمان والإِخفاء ، أو الإِعلان والإِظهار ، بفروق بسيطة ولكن المهم هو المقابلة بين الذنوب التي يجهر بالإِتيان بها أمام أعين الناس ، أو يأتي بها بعيداً عنهم .
« وكل سيئة أمرت بإثباتها الكرام الكاتبين الذين وكلتهم بحفظ ما يكون مني ، وجعلتهم شهوداً علي مع جوارحي ، وكنت أنت الرقيب علي من ورائهم ، والشاهد لما خفي عنهم » .
وكما تضرع الداعي الى ربه ، فيما سبق من الدعاء ـ ان يهب له كل جرمٍ وكل ذنب ، وكل قبيح صدر منه كذلك هنا طلب من ربه أن يهب له كل سيئة عملها وصدرت منه ، والمطلوب منه في الجميع واحد وإنما الاختلاف في التعبير ـ كما قلنا ـ أن الداعي يريد أن يجمع كل عبارة ترمز الى الذنب ، والمخالفة .
ولكن الذي يظهر لنا من هذه الفقرات المذكورة في هذا المقطع على الخصوص هو تنبيه الدعاء الداعي الى ما يحيط بالإِنسان من رقابة دقيقة ، تضبط عليه كل ما يصدر منه من أعمال خارجية ، أو نوايا تخطر له وإن لم تأخذ مجراها الى حيز الوجود ، حيث يجمع الكل « أعمال الإِنسان ، ونواياه الجوارحية ، والجوانحية » .