فبكى أبو الحسن وقال : إن عندي عجوزاً ربتني من أهل كرخ جدان عفيطة اللسان (١) الأغلب على لسانها النبطية لا يمكنها أن تقيم كلمة عربية صحيحة فضلاً عن أن تروي شعراً ، وهي من صالحات نساء المسلمين ، كثيرة الصيام والتهجد وانها انتبهت البارحة في جوف الليل ومرقدها قريب من موضعي ، فصاحت بي : يا أبا الحسن ، فقلت :مالك؟ فقالت : الحقني ، فجئتها فوجدتها ترتعد. فقلت : ما اصابك؟ فقالت : إني كنت قد صليت وردي فنمت ، فرأيت الساعة في منامي كأني في درب من دروب الكرخ ، وإذا بحجرة نظيفة ، مليحة الساحة ، مفتوحة الباب ، ونساء وقوف ، فقلت لهن : من مات أو ما الخبر؟ فأومأن الى داخل الدار فدخلت ، فاذا بحجرة نظيفة في نهاية الحسن ، وفي صحنها امرأة شابة لم أر قط أحسن منها ولا أبهى ولا أجمل ، وعليها ثياب حسنة بيضاء مروي لينة وهي ملتحفة فوقها بأزار أبيض جداً وفي حجرها رأس رجل يشخب دماً. فقلت : من أنت ، فقالت : لاعليك ، أنا فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهذا رأس ابني الحسين عليهالسلام. قولي لابن اصدق ينوح :
لم أمرضه فأسلوا |
|
لا ولا كان مريضا |
فانتبهت فزعة. قال : وقالت العجوز : « لم امرطه » بالطاء لانها لا تتمكن من إقامة الضاد ، فسكنت روعها الى ان نامت.
ثم قال لي : يا أبا القاسم مع معرفتك الرجل قد حملتك الامانة ولزمتك أن تبلغها له. فقلت : سمعاً وطاعة لأمرسيدة نساء العالمين.
قال : وكان هذا في شعبان والناس اذ ذاك يلقون جهداً جهيداً من الحنابلة اذا أرادوا الخروج الى الحاير. فلم أزل أتلطف حتى خرجت فكنت في الحاير ليلة النصف من شعبان فسألت عن ابن أصدق حتى رأيته ، فقلت له : إن فاطمة عليهاالسلام
__________________
(١) عفيطة اللسان : اي لكناء يصعب عليها الكلام.