الموافقة القطعية.
وأمّا إذا لم يوجب العلم الإجمالي تنجّز الواقع بخصوصه ، بل اقتصر على تنجّز الجامع ولم يسرِ هذا التنجّز من الجامع إلى الواقع فلا موجب للموافقة القطعية أصلاً ، إذ المقدار المنجّز من الإلزام هو الإلزام بالجامع ، ومن المعلوم أنّ هذا المقدار إنّما يقتضي الإتيان بالجامع في ضمن أحد أفراده ، لا الإتيان بجميع الأطراف ، وإذن فوجوب الموافقة القطعية مبنيّ على تنجّز الواقع بالعلم الإجمالي ، وعدم اختصاص التنجّز بالجامع ، وهذا ممنوع أشدّ المنع.
أمّا بناءً على تعلّق العلم الإجمالي بالجامع بالنحو الذي حقّقناه ، أو بالجامع بمعنى الملغي عنه الخصوصيات بكلّ وجهٍ فواضح ، إذ بعد عدم سراية الانكشاف من الجامع إلى الواقع يستحيل سراية التنجّز ، فإنّ كلّ وصولٍ إنّما ينجّز الواصل به لا غيره ، فالمقدار المعلوم هو المنجّز ، والمقدار المعلوم هو وجوب الجامع فيختصّ التنجّز به ، وما يقتضيه هذا الوجوب المنجّز ليس أزيد ممّا يقتضيه الوجوب التخييري المتعلّق بالجامع ، فكما أنّه لا يقتضي إلّا الإتيان بصرف الجامع في ضمن أحد أفراده كذلك المقدار المنجّز من الوجوب في المقام.
وحاصل المرام أمران :
أحدهما : أنّ التنجّز لا يسري من الجامع إلى الفرد ؛ لعدم سراية العلم ، فالمقدار المنجّز هو الجامع.
ثانيهما : أنّ الإلزام بالجامع الذي هو المنجّز لا يقتضي إلّا الإتيان بأحد الفعلين ، فالإتيان بأحدهما موافقة قطعية للمقدار الواصل المنجّز ، بمعنى أنّه لا يبقى له اقتضاء للحركة بعد ذلك.
ومن هنا يظهر ما في كلام المحقّق الأصفهاني (١) ، في مقام تقريب عدم
__________________
(١) نهاية الدراية ٣ : ٩٣ ، ضمن تعليقة ٤١