كما إذا علم بنجاسة ماءٍ أو بولية مائعٍ فإنّ الماء في نفسه مجرىً لاستصحاب الطهارة ثمّ لأصالة الطهارة ، والمائع مجرىً لأصالة الطهارة فقط ، ومعنى هذا أنّ دليل أصالة الطهارة يبتلي بالإجمال ؛ لأنّه شامل في نفسه لكلٍّ من الطرفين ويعلم بتخصيصه بالإضافة إلى أحدهما ، وحينئذٍ يجري الاستصحاب في الماء ، ولا يعارضه دليل أصالة الطهارة بإطلاقه للمائع ؛ لأنّ المفروض إجماله.
والحاصل : بعد فرض أنّ الأصل الطولي يتمّ اقتضاؤه في ظرف معارضة الأصلين العَرْضِيّين وزمانها ففي الفرض المزبور يكون اقتضاء دليل أصالة الطهارة للشمول للماء تاماً في عرض معارضة استصحاب طهارته مع أصالة الطهارة في المائع زماناً ، فكما يكون العلم الإجمالي بتخصيص دليل الأصلين العرضيّين موجباً لإجماله والرجوع إلى الأصل الطولي الثابت بدليلٍ آخر كذلك يكون العلم الإجمالي بتخصيص دليل أصالة الطهارة في المثال موجباً لإجماله وجريان الاستصحاب في الماء بلا معارض.
ولكنّ هذا التوهم مندفع : بأنّ مدلول أصالة الطهارة في الماء يكون تام الاقتضاء وفعلياً في فرض سقوط الاستصحاب ، والتكاذب في دليل أصالة الطهارة في المثال فرع فعلية المدلولين في نفسيهما ، وعليه فالتكاذب في دليل أصالة الطهارة فرع سقوط الاستصحاب فلا يعقل أن يكون موجباً لجريان الاستصحاب.
والحاصل : أنّنا وإن كنّا ندّعي أنّ أصالة الطهارة في الماء تعارض في عرض معارضة الحاكم إلّا أنّ هذا لا ينافي كون فرض معارضتها للأصل في الطرف الآخر هو فرض سقوط الاستصحاب وإجمال دليله ، فكيف يكون إجمال دليل أصالة الطهارة في الطرفين المعلول لإجمال دليل الاستصحاب وسقوطه ، سبباً في عدم إجماله وجريان الاستصحاب؟!