وبتعبيرٍ آخر : أنّه لو كان استصحاب الطهارة في الماء جارياً لَمَا حصل إجمال وتكاذب في دليل أصالة الطهارة ؛ لأنّ التكاذب فيه فرع شموله لكلٍّ من الطرفين في نفسه ، ومع جريان الاستصحاب في الماء لا يكون دليل أصالة الطهارة شاملاً في نفسه للماء حتّى يحصل فيه التكاذب والإجمال ، وإذن فإجماله فرع سقوط الاستصحاب ، فلا يكون منشأً لجريانه.
ولا يخفى عليك أنّا قد نقلنا جواباً في مقام دفع شبهة التخيير في جريان الاصول في أطراف العلم ، حاصله : أنّ المحذور إنّما هو في الترخيص القطعي في مخالفة الواقع ، لا الترخيص في المخالفة القطعية ، وقد ذكرنا عند التكلّم حول شبهة التخيير الفرق بين الأمرين ، وذكرنا : أنّ المحذور إمّا أن يكون في الترخيص القطعي الفعلي في مخالفة الواقع ، وإمّا أن يكون في الترخيص القطعي في مخالفة الواقع ولو مشروطاً.
وعلى الأول نقضنا بما إذا كان للعلم الإجمالي أطراف ثلاثة فإنّ إعمال الاصول فيها بنحوٍ من أنحاء التخيير لا يؤدِّي إلى الترخيص الفعلي القطعي في مخالفة الواقع ، فراجع.
وأمّا على الثاني ، بمعنى أنّ الترخيص القطعي في مخالفة الواقع ولو مشروطاً بشرطٍ لا يتحقّق أصلاً ، محال ، بحيث يكون الترخيص في أحد طرفي العلم الإجمالي ، على تقدير نزول المطر ، والترخيص في الطرف الآخر على تقدير عدم نزوله ـ مثلاً ـ محالاً أيضاً ، مع استحالة اجتماع الترخيصين في الفعلية ، فالشبهة المزبورة ـ أي جريان الأصل الحاكم في ما ذكرناه من المثال ، وهو ما إذا علم إجمالاً ببولية مائعٍ أو نجاسة ماءٍ ـ ممّا لا محيص عنها.
وبيانه : أنّ دليل أصالة الطهارة بالإضافة إلى الماء له دلالتان :
إحداهما : دلالته على ثبوت الطهارة الفعلية الظاهرية للماء ، وهذه الدلالة