فقل لهم يا محمد : آمنوا بما نزّلنا ، فكل الكتب المنزلة ذات مصدر واحد ، ولها غاية واحدة.
ثم هددهم إن لم يفعلوا بطمس الوجوه والرد على الأدبار ، فتجعل على هيئة أدبارها وهي الأقفاء ، مطموسة مثلها ، عديمة الإبصار ، أو بالهلاك أو المسخ كما أهلك أصحاب السبت من اليهود ، أو مسخهم قردة وخنازير. وأصحاب السبت : يعني الذين اعتدوا في سبتهم بالحيلة على الاصطياد بحواجز أقاموها يوم الجمعة ، فإذا حدث المد ثم الجزر. تبقى الأسماك في الأحواض المقامة على الشواطئ.
وكان أمر الله مفعولا ، أي أن أمره التكويني وهو قوله : (كُنْ فَيَكُونُ) بإيقاع شيء ما نافذ لا محالة ، فإذا أمر أمرا فإنه لا يخالف ولا يمانع. فاحذروا وعيده ، وخافوا عقابه ، ويراد بالأمر : المأمور ، فالمعنى : أنه متى أراده أوجده.
قال ابن عباس : يريد : لا رادّ لحكمه ، ولا ناقض لأمره. ولا بد أن يقع أحد الأمرين إن لم يؤمنوا. وقد تحقق الوعيد في معاصري الوحي بإذلال بني النضير وإجلائهم ، وإهلاك بني قريظة ، وهو معنى الطمس والارتداد على الأدبار على أنها أمور حسية.
فقه الحياة أو الأحكام :
اختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الآية ، هل هو حقيقة ، فيجعل الوجه كالقفا ، فيذهب بالأنف والفم والحاجب والعين ، أو ذلك عبارة عن الضلالة في قلوبهم وسلبهم التوفيق؟
قولان : روي عن أبي بن كعب أنه قال : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ) من قبل أن نضلكم إضلالا لا تهتدون بعده. والمراد به التمثيل ، وأنهم إن لم يؤمنوا فعل هذا بهم عقوبة.