وهم أولو الضرر أي المرض ونحوه من العمى والعرج ، فأصبح ذلك مخرجا لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد عن مساواتهم للمجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ، فلا لوم ولا عتاب لهم لتوافر نياتهم الطيبة بالجهاد عند القدرة ، روى البخاري وأحمد وأبو داود أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال عند دخوله المدينة بعد غزوة تبوك : «إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير ، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه ، قالوا : يا رسول الله : وهم بالمدينة؟ قال : نعم وهم بالمدينة ، حبسهم العذر».
ثم أخبر الله تعالى عن فضيلة المجاهدين على غير أولي الضرر القاعدين عن الجهاد : وهي أن الله رفع المجاهدين درجة لا يعرف قدرها : في الدنيا بالظفر والنصر والسمعة الحسنة والغنيمة ، وفي الآخرة بمنزلة عالية في الجنة ، وأجر عظيم أو جزيل.
ووعد الله كلا ممن جاهد وقعد عن الجهاد لعذر أو عجز مع تمني الجهاد : الحسنى وهي الجنة والجزاء الجزيل ، لكمال إيمان الفريقين وإخلاص نيته وعمله. قال ابن كثير : وفيه دلالة على أن الجهاد ليس بفرض عين ، بل هو فرض كفاية (١).
ثم أخبر سبحانه عما فضل به المجاهدين بإطلاق على القاعدين من غير أولي الضرر من الدرجات ، وهو الأجر العظيم.
وذلك الأجر العظيم هو الدرجات العالية أي المنازل الرفيعة في غرف الجنان العاليات ، التي يصعب في تقدير الناس في الدنيا حصرها وعدها ، كما قال تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ، وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء ١٧ / ٢١] والتفاضل في الدرجات مبني على مدى قوة الإيمان ، وإيثار رضا
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ١ / ٥٤١