وتسيروا سيرتهم ، فالشرائع والتكاليف وإن كانت مختلفة باختلاف الأحوال والأزمان ، إلا أنها متفقة في مراعاة المصالح.
ويريد الله أيضا أن يقبل توبتكم من الإثم والمحارم ، أو يرشدكم إلى ما يمنع من المعاصي ، أو إلى ما يكفّرها ويسترها ويذهب أثرها.
والمختار عند المحققين أن الخطاب ليس عاما لجميع المكلفين ، بل لطائفة معينة قد تاب الله عليهم في نكاح الأمهات والبنات وسائر المنهيات المذكورة في الآيات السابقة ، وتابوا بالفعل ؛ لأنه لو كان عامّا لعارضه حالات أناس لم يتوافر عندهم المراد وهو التوبة.
والله ذو علم شامل لجميع الأشياء ، فيعلم ما شرع لكم وما سار عليه من قبلكم وما ينفع عباده المؤمنين وما يضرّهم ، وهو حكيم في شرعه وقدره وأفعاله وأقواله ، يراعي الحكمة والمصلحة ، ولا يكلّف بما فيه مشقة وضرر.
ثم أكد الله تعالى إرادته قبول التوبة وتطهيركم وتزكية نفوسكم ، وقارن بين تلك الإرادة المقترنة بالرحمة وبين إرادة الذين يتبعون الشهوات وهم الفسقة المنهمكون في المعاصي أو الزناة ، وقيل : اليهود والنصارى أو المجوس الذين كانوا يحلّون الأخوات وبنات الإخوة والأخوات ، فإنهم يريدون أن تميلوا مع أهوائهم ميلا عظيما ، أي تنحرفوا معهم عن الحقّ إلى الباطل.
ويريد الله بهذه الأحكام والتكاليف والشرائع والأوامر والنواهي التخفيف عنكم ، فأباح لكم نكاح الإماء عند الضرورة ، كما قال مجاهد وطاوس ، وهذا مثل قوله تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ) [الأعراف ٧ / ١٥٧] ، وقوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة ٢ / ١٨٥] ، وقوله : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)