والإنذار والتبشير هما من أخص صفات النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقد صرح القرآن بهما في آيات كثيرة مثل : (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ ، وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) [الكهف ١٨ / ٢] (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الأحزاب ٣٣ / ٤٥].
وفي الكلام حذف يدل الظاهر عليه تقديره : ومع أنا بعثنا إليهم رسولا منهم ، رجلا من جنسهم ، بشيرا ونذيرا ، (قالَ الْكافِرُونَ : إِنَّ هذا لَساحِرٌ مُبِينٌ) أي قال المنكرون المكذبون رسالته : إن محمدا ساحر ظاهر. وعلى قراءة : (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) معناه إن هذا القرآن سحر ظاهر بيّن. وعلى أي حال فإنهم وصفوا القرآن وصاحبه المنزل عليه بالسحر وكونه الساحر ، وهم الكاذبون في ذلك. ووصفوه بالسحر لما رأوا من تأثيره القوي في القلوب ، والسحر عندهم يطلق على كل فعل غريب خارق للعادة ، لا يعرف له سبب ، مؤثر في النفوس ، جذاب يلفت الأنظار.
ثم تبيّن لعقلاء العرب وحكمائهم أن القرآن ليس سحرا ، لأنهم جربوا السحر وعرفوه ، فلم يجدوه مطابقا له ، لأن السحر علم يعتمد إما على الحيل والشعوذة ، أو على خواص بعض الأشياء الطبيعية ، أو على علم النجوم ، أو على دراسات نفسانية ، والقرآن ليس من هذه الأشياء إطلاقا بالتجربة والحس والمشاهدة والموازنة ، وإنما هو مغاير لها ، وفوقها ، لأنه وحي من عند الله على قلب نبيه ، مشتمل على أحكام سامية عالية في التشريع والقضاء ، والسياسة والاجتماع ، والعلوم والأخلاق والآداب ، معجز في أسلوبه ونظمه ومعانيه ، يفوق قدرة البشر على محاكاته أو الإتيان بشيء من مثله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ ، وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ. لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت ٤١ / ٤١ ـ ٤٢] (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً ، مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ