بالذات ، بدليل تعليل الرجوع إليه تعالى بأنه للجزاء : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) لأن العدل يقضي بتقديم المقابل على العمل الصالح ، وهو جزاء حسن لا يعادل بالعمل المبذول ، بل هو أفضل وأرقى وأكمل منه بكثير ، كما قال تعالى : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ، جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة ٣٢ / ١٧] وروى البخاري حديثا قدسيا : «أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر».
وأما جزاء الكافرين على كفرهم فليس من مقاصد خلق الإنسان ، وإنما اقتضاه العدل والعقل ، للتمييز بين المحسنين والمسيئين ، وبين الأبرار والفجار ، وبين المؤمنين والكفار ، لأننا نرى الكفار والفساق في الدنيا في أعظم الراحات أحيانا ، ونرى العلماء والصالحين ضد ذلك ، فهل يعقل أن يتساوى العامل مع العاطل ، والمحسن مع المسيء؟! قال تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ، كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص ٣٨ / ٢٨] فثبت أنه لا بد بعد هذه الدار من دار أخرى ، لإقامة العدل بين الخلائق.
ودلت الآية أيضا على أنه لا واسطة بين أن يكون المكلف مؤمنا ، وبين أن يكون كافرا ؛ لأنه تعالى اقتصر في هذه الآية على ذكر هذين القسمين.
والخلاصة : أثبت تعالى البعث والحشر والنشر بناء على أنه لا بد من إثابة أهل الطاعة ، وعقوبة أهل الكفر والمعصية ، وأن الحكمة تقتضي تمييز المحسن عن المسيء.