وتخصيص القمر بذكر منازله ، إذا جعل الضمير عائدا إليه وحده ، لسرعة سيره ، ومعاينة منازله ، وإناطة أحكام الشرع به ، ولذلك علله بقوله : (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) أي يعرف به حساب الأوقات من الشهور والأيام والليالي ، والفصول الأربعة ، والحساب مطلوب لضبط أوقات العبادة من صلاة وصيام وحج وزكاة ومعاملات وعقود.
وإذا كان تقدير المنازل لكل من الشمس والقمر ، فيعرف بهما حساب الأوقات ، فبالشمس تعرف الأيام ، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام. وقد حث الشرع على الانتفاع بالحساب الشمسي في نحو قوله تعالى : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) [الرحمن ٥٥ / ٥] وقوله : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ ، فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ ، وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ، لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ، وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [الإسراء ١٧ / ١٢] وفي كل من الحساب الشمسي والقمري فوائد ، فالحساب الشمسي ثابت ، والحساب القمري أسهل على البدوي والحضري ، فأنيطت به الأحكام الشرعية.
ما خلق الله ذلك المذكور من الشمس والقمر إلا خلقا متلبسا بالحق الذي هو الحكمة البالغة ، ولم يخلقه عبثا ، بل له حكمة عظيمة في ذلك ، وحجة بالغة ، كقوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) [ص ٣٨ / ٢٧] وقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً ، وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون ٢٣ / ١١٥].
(يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي يبين الله الآيات الكونية الدالة على عظمته وقدرته ، والآيات القرآنية ، لقوم يعلمون طرق الدلالة على الخالق ومنافع الحياة ، ويميزون بين الحق والباطل.
إن في اختلاف الليل والنهار أي في تعاقبهما ، إذا جاء هذا ذهب هذا ، وإذا