هذه الأسئلة الخمسة لا يملك المشركون إلا أن يقولوا : إن الفاعل هو الله ، وأن يجيبوا بأن الموجد والمعدم هو الله تعالى ، بلا تردد ولا شك ، ومن غير مكابرة وعناد في ذلك ، لفرط وضوح الأمر ، ولأنه لا جواب في الواقع غيره.
وإذا اعترفوا بالحقيقة ، فقل لهم أيها الرسول عندئذ : أفلا تتقون أنفسكم عقاب الله بإشراككم إياه وعبادتكم غيره ، مما لا يشاركه في شيء من ذلك ، ولا يملك ضرا ولا نفعا.
فذلكم الذي يتصف بما ذكر من القدرة الخلاقة والإرادة المبدعة هو الله خالقكم ومربّيكم على فضله ومدبر أموركم ، وهو المستحق للعبادة ، وهو ربكم الثابت ربوبيته بذاته ، لأنه الذي أنشأكم وأحياكم ورزقكم ودبر أموركم ، فلا إله غيره ، ولا معبود سواه.
وإذا كان الله هو ربكم الحق الثابت بذاته ، فليس بعد القول الحق والفعل الحق إلا الضلال والباطل ، ولا واسطة بين الحق والباطل ، فمن تخطى الحق الذي هو عبادة الله تعالى وقع في الضلال.
فأنى تصرفون عن الحق إلى الضلال ، وكيف تتحولون عن الحق إلى الباطل ، وعن الهدى إلى الضلال؟ ذلك ما لا يقبله عقل ولا منطق.
(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي كما حقت الربوبية لله والألوهية لله ، حقت أي ثبتت كلمة الله وحكمه أو وعيده على الذين فسقوا أي تمردوا في كفرهم وأصروا على ضلالهم ، وخرجوا عن دائرة الحق والصلاح وتوحيد الربوبية والألوهية ، أنهم لا يؤمنون ، أي حق عليهم انتفاء الإيمان وعلم الله منهم ذلك ، أو حق عليهم كلمة الله أنهم من أهل الخذلان وأن إيمانهم غير كائن. ويجوز أن يراد بالكلمة الوعيد بالعذاب ، ويكون قوله (أَنَّهُمْ