لا يُؤْمِنُونَ) تعليلا للحقية ، بمعنى : لأنهم لا يؤمنون (١). ويلاحظ أن الآية صرحت باليأس من إيمان الذين فسقوا وأصروا على كفرهم ، ولم تذكر غيرهم ؛ لأن من لم يصرّ يرجى إيمانه وتخلصه من العذاب إذا آمن وأطاع ، فلا مانع أمامه ، كما أنه ليس هناك أي مانع قهري يمنع من إيمان أي كافر ، وإنما هو الذي يمتنع باختياره من الإيمان ، ويصرّ على الكفر ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس ١٠ / ٩٦ ـ ٩٧].
وجعل ابن كثير الآية الأخيرة (كَذلِكَ حَقَّتْ) في المشركين أنفسهم ، فقال : أي كما كفر هؤلاء المشركون واستمروا على شركهم وعبادتهم مع الله غيره ، مع أنهم يعترفون بأنه الخالق الرزاق المتصرف في الملك وحده ، الذي بعث رسله بتوحيده ، فلهذا حقت عليهم أنهم أشقياء من ساكني النار ، كقوله : (قالُوا : بَلى ، وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) [الزمر ٣٩ / ٧١] (٢).
فقه الحياة أو الأحكام :
هذا نقاش منطقي هادئ مع المشركين ، فإنهم إن سئلوا عن الرازق والخالق والمحيي والميت والمدبر ، فلا يسعهم إلا الاعتراف بأنه هو الله رب الخلائق قاطبة ، وهذا اعتراف صريح منهم بوحدة الربوبية ، فلم لا يعترفون بوحدة الألوهية ، وإنما يشركون مع الله إلها آخر؟!
والمنطق يقضي بالتسوية بين الأمرين والإقرار بوحدة الربوبية والألوهية ، فتكون الآية دالة على إثبات التوحيد.
__________________
(١) الكشاف : ٢ / ٧٤
(٢) تفسير ابن كثير : ٢ / ٤١٦