قالُوا : لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ، فَسْئَلِ الْعادِّينَ ، قالَ : إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [المؤمنون ٢٣ / ١١٢ ـ ١١٤].
ثم أعلن الله تعالى خسارتهم فقال : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا ..) أي إن هؤلاء الكفار المكذّبين بالبعث قد خسروا ثواب الجنة خسارة كبري ، إذ بدلوا الإيمان بالكفر ، وما كانوا مهتدين لأوجه الربح والنفع بعمل الصالحات ، فما أخسرهم! وهذا تعجب شديد من الله تعالى.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآية على أن عمر الدنيا قصير ، إذا قوبل بحياة الآخرة الطويلة الأمد بل الخالدة ، وعلى أن الكافرين المكذبين بالبعث خسروا ثواب الجنة خسارة كبري لا تعوض ؛ لأن الخسران إنما هو في يوم لا يرجى فيه القيام بالبديل ، ولا تنفع فيه التوبة ، وذلك بعد قيام الأدلة الكثيرة في القرآن المجيد على البعث والنشور. ويفهم من الآية أيضا أن لذات الدنيا بالنسبة إلى جميع العالم لا تعادل شيئا أمام العذاب الشديد والآفات الحاصلة للكافر يوم القيامة ، فمن باع آخرته بالدنيا فقد خسر ؛ لأنه أعطى الكثير وأخذ القليل ، وأن الكافر اهتدى إلى رعاية مصالح تجارته هذه.
كذلك أشارت الآية إلى أن الناس في الآخرة يعرف بعضهم بعضا ، ولكن التعارف يمكث وقتا يسيرا ، ويقولون : (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) أي بالبعث والنشور.
ومع أنني اتجهت في تفسير الآية إلى مقابلة الدنيا بالآخرة فإن ما ذكر في الآية من لبث قدر ساعة من النهار يحتمل أن يكون ذلك هو عمرهم في الدنيا ، أو مدة بقائهم في قبورهم ، لهول ما يرون من البعث.