لا تَخَفْ ، إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى. وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا ، إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ ، وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) [طه ٢٠ / ٦٧ ـ ٦٩].
(فَلَمَّا أَلْقَوْا ..) أي فلما ألقوا ما عندهم من الحبال والعصي قال موسى واثقا غير مبال بهم : ما أتيتم به هو السّحر بعينه ، لا ما سمّاه فرعون سحرا مما جئت به من الآيات والمعجزات من عند الله. وهذا السّحر الذي أظهر تموه إن الله سيمحقه وسيظهر بطلانه قطعا أمام الناس ، بما يفوقه من المعجزة التي هي آية خارقة للعادة تفوق السّحر وأشكاله المختلفة.
ثم علل ذلك بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) أي لا يثبّته ولا يقويه ، ولا يجعله صالحا للبقاء ، (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) أي ويريد الله أن يؤيّد الحقّ ويظهره ، ويثبته ويقويه ، وينصره على الباطل بأوامره ووعده موسى ، وقيل : بما سبق من قضائه وقدره. (وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) أي ولو كره المجرمون الظالمون كفرعون وملئه ذلك ، أي نصر الحقّ على الباطل. وفي آية أخرى : (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف ٧ / ١١٨] ، وقوله تعالى : (إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ ، وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) [طه ٢٠ / ٦٩].
فقه الحياة أو الأحكام :
هذه مبارزة بين الحقّ والباطل ، بين المعجزة والسّحر ، فالمعجزة آية إلهية خارقة للعادة يؤيّد الله بها صدق الأنبياء لإقناع الناس وتصديق دعوتهم. وأمّا السّحر فهو إفساد وتمويه وتزييف لا حقيقة له ، فلم يستطع الصمود أمام الشيء الحقيقي الثابت الذي لا تمويه فيه.
وهذا المعنى هو ما تضمنته آية : (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) أي لا يضرّ أحدا كيد ساحر. لذا قال العلماء : لا تكتب على مسحور إلا دفع الله عنه السحر.