المفردات اللغوية :
(فَلَوْ لا) فهلا ، وكل منهما للتحضيض والتوبيخ. (قَرْيَةٌ) أهل قرية أي فهلا كانت قرية من القرى التي أهلكناها آمنت قبل معاينة العذاب ، ولم تؤخر إليها ، كما أخر فرعون. (آمَنَتْ) قبل نزول العذاب بها. (فَنَفَعَها إِيمانُها) بأن يقبله الله منها ويكشف العذاب عنها. (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) لكن قوم يونس (لَمَّا آمَنُوا) عند رؤية أمارة العذاب ، ولم يؤخروه إلى حلوله. (الْخِزْيِ) الذل والهوان. (وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) إلى انقضاء آجالهم ، الحين : مدة من الزمن ، والمراد بها هنا العمر الطبيعي الذي يعيشه الإنسان.
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) قال المعتزلة : المراد مشيئة القسر والإلجاء ، أي لو شاء الله تعالى أن يلجئهم إلى الإيمان لقدر عليه ، ولصح ذلك منه ، ولكنه ما فعل ذلك ؛ لأن الإيمان الصادر من العبد على سبيل الإلجاء لا ينفعه ولا يفيده فائدة ، فالمشيئة المرادة في الآية لم تقع في رأيهم. وقال أهل السنة : المراد تخليق الإيمان أو خلق الإيمان ، أي لو شاء ربك لخلق الإيمان فيهم ، ولكنه لم يفعل ، فدلّ على أنه ما أراد حصول الإيمان لهم ؛ لأن الإيمان لا يحصل إلا بخلق الله تعالى ومشيئته وإرشاده وهدايته ، فإذا لم يحصل ذلك المعنى لم يحصل الإيمان. والتقييد بمشيئة الإلجاء خلاف الظاهر ، فكل إيمان لا يحصل إلا بمشيئة الله تعالى : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان ٧٦ / ٣٠]. وهذا المذهب موافق للمعتزلة في أن الله تعالى ما قسر الخلق ، ولكنه أيضا ما سلب اختيارهم ، بل أمرهم بالإيمان وخلق لهم اختيارا وقصدا ، فإبقاء الآية على إطلاقها أولى ، وربط كل شيء من إيمان وغيره بمشيئة الله تعالى هو الواجب.
(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ) بما لم يشأه الله منهم ، والاستفهام للإنكار ، وتقديم الضمير على الفعل للدلالة على أن خلاف المشيئة مستحيل ، فلا يمكنه تحصيله بالإكراه عليه.
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي بإرادته وتوفيقه ، فلا تجهد نفسك في هداها ، فإنه إلى الله تعالى. والإذن بالشيء لغة : الاعلام بإجازته والرخصة فيه ورفع الحجر عنه. (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ) هنا العذاب أو الخذلان. وأصله في اللغة : الشيء القبيح المستقذر. (لا يَعْقِلُونَ) لا يتدبرون آيات الله ، ولا يستعملون عقولهم بالنظر في الحجج والآيات.
المناسبة :
هذه هي القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة ، وهي قصة يونس عليهالسلام. فبعد أن بيّن الله تعالى أن (الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ، وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أتبعه بهذه الآية