إثم في مخالفته ، كما تأول الفقهاء كتابة الدين المأمور به في قوله تعالى : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) على أنه أمر ندب وإرشاد ، ففهم الأمر على هذا الوجه (١).
التفسير والبيان :
فهلا كان أهل قرية من قرى الرسل الذين أرسلوا إليهم ، آمنوا بعد دعوتهم وإقامة الحجة عليهم ، وقبل نزول العذاب واستحالة الإيمان ، فنفعهم إيمانهم.
ولكن قوم يونس عليهالسلام الذي بعث في أهل نينوى بأرض الموصل شمال العراق ، كانوا قد كفروا ، ثم لما رأوا أمارات العذاب ، تضرعوا إلى الله تعالى ، وأخلصوا التوبة ، وأظهروا الإيمان فرحمهمالله ، وكشف عنهم العذاب ـ أي العذاب الذي وعدهم يونس بنزوله ـ وقبل إيمانهم ، ومتّعهم إلى أجلهم.
أي لم توجد قرية آمنت بكمالها بنبيهم من القرى الغابرة إلا قوم يونس ، وهم أهل نينوى ، وما كان إيمانهم إلا تخوفا من وصول العذاب الذي أنذرهم به رسولهم ، بعد ما عاينوا أسبابه. وكان قبول إيمانهم مغايرا لقبول إيمان فرعون ، فإنه آمن عند الإشراف على الغرق واقتراب الموت. أما قوم يونس فآمنوا قبل وقوع العذاب بهم بالفعل ، وإن كان إيمانهم عند ظهور أماراته.
وفي القصة تعريض بأهل مكة ، وحض لهم على أن يكونوا كقوم يونس ، قبل أن يصلوا إلى درجة اليأس ، فإن العذاب قابل للتحقق كما حدث في قوم نوح ، وفرعون وجنوده. وعلى هذا التأويل لا تعارض ولا إشكال ولا خصوص لقوم يونس. قال عليرضياللهعنه: إن الحذر لا يردّ القدر ، وإن الدعاء ليردّ القدر.
__________________
(١) قصص القرآن للأستاذ عبد الوهاب النجار : ص ٣٥٧ ، ٣٥٩