(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) أي ولو شاء ربك يا محمد أن يأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به ، وأن يخلق فيهم الإيمان ، لفعل ولآمنوا كلهم ، ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى ، كقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً ، وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ، وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ، وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود ١١ / ١١٨ ـ ١١٩].
وقال تعالى : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) [الرعد ١٣ / ٣١]. و (كُلُّهُمْ) في الآية أي على وجه الإحاطة والشمول ، و (جَمِيعاً) أي مجتمعين على الإيمان ، مطبقين عليه ، لا يختلفون فيه.
(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ ...) أي أفأنت يا محمد تلزم الناس وتلجئهم إلى الإيمان ، ليس ذلك عليك ولا إليك ، بل إلى الله وعليه. فالإيمان لا يتم بالإكراه والإلجاء والقسر ، وإنما يتم بالطواعية والاختيار ، كما قال تعالى : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) [البقرة ٢ / ٢٥٦] وقال تعالى : (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [ق ٥٠ / ٤٥] وإنما مهمتك فقط التبليغ بالإنذار والتبشير ، كما قال تعالى : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى ٤٢ / ٤٨] وقال سبحانه : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية ٨٨ / ٢١ ـ ٢٢]. (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [القصص ٢٨ / ٥٦].
(وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي ليس لنفس أن تؤمن إلا بإرادة الله ومشيئته وتوفيقه أو ما ينبغي لنفس أن تؤمن إلا بقضائه وقدره ومشيئته وإرادته ، والنفس مختارة في الإيمان اختيارا غير مطلق ، وليست مستقلة في اختيارها استقلالا تاما ، بل مقيدة بسنة الله في الخلق ، يهدي الله من يشاء بحكمته وعلمه وعدله.