فمحبة الله عباده : معناها الرّضا والقبول والإدناء ؛ لأنّ الله تعالى منزّه عن مشابهة صفاتنا ، فحبّه غير حبّنا ، وهو شيء يليق بكماله تعالى ، كما جاء في الحديث القدسي الذي يرويه البخاري : «ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به». والحبّ في هذه الآية يشبه أيضا حبّ الله تعالى في تطهير آل بيت النبّوة في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب ٣٣ / ٢٣].
ثم قارن الله تعالى بين أهداف بناء المسجدين فقال : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ ...) أي لا يستوي من أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان ، أي على أساس متين نافع في الدّنيا والآخرة ، ومن بنى مسجدا ضرارا وكفرا ، وتفريقا بين المؤمنين ، وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل ، فإنما يبني هؤلاء بنيانهم على شفا جرف هار ، أي ساقط ، وجرف : جانب الوادي الذي ينحفر بالماء ، والمعنى : على طرف حفرة أو واد ، أي أساس ضعيف منهار ، مشرف على السقوط ، فإذا أنهار فإنما ينهار في قعر جهنم ، والله لا يهدي القوم الظالمين أي لا يصلح عمل المفسدين ، ولا يوفقهم إلى الحق والعدل والسّداد والصّواب وما فيه صلاحهم ونجاتهم.
قال الرّازي (١) : ولا نرى في العالم مثالا أجدر مطابقة لأمر المنافقين من هذا المثال!
وحاصل الكلام أن أحد البناءين قصد بانيه ببنائه تقوى الله ورضوانه ، والبناء الثاني قصد بانيه ببنائه المعصية والكفر ، فكان البناء الأول شريفا واجب الإبقاء ، وكان الثاني خسيسا واجب الهدم.
وقوله تعالى : (فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ) قيل : إن ذلك حقيقة ، أي إنه
__________________
(١) تفسير الرّازي : ١٦ / ١٩٧