التفسير والبيان :
إذا ما أنزلت سورة من سور القرآن وبلغت المنافقين ، فمنهم من يقول لإخوانه أي يقول بعضهم لبعض : أيكم زادته هذه السورة إيمانا؟ أي تصديقا بأن القرآن من عند الله ، وأن محمدا صادق في نبوته.
ومن المعروف أن الإيمان الصحيح : وهو التصديق الجازم المقترن بإذعان النفس ، يزيد بنزول القرآن ، ويتضاعف بسماعه سماع تدبر وإمعان ، مما يدفع إلى العمل بما نزل فيه. وفي هذا دلالة واضحة على أن الإيمان يزيد وينقص ، كما هو مذهب الأكثرين.
فأجابهم الله تعالى عن حقيقة أثر القرآن : فأما المؤمنون فيزيدهم نزول القرآن يقينا وتصديقا وقوة دافعة إلى العمل به ، وهم أي وحالهم أنهم يفرحون بنزول السورة ؛ لأنها تزكي أنفسهم ، وترشدهم إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة. قال الزمخشري في (فَزادَتْهُمْ إِيماناً) : لأنها أزيد لليقين والثبات وأثلج للصدر ، أو فزادتهم عملا ، فإن زيادة العمل زيادة في الإيمان ؛ لأن الإيمان يقع على الاعتقاد والعمل.
والذين في نفوسهم شك وكفر ونفاق ، فتزيدهم السورة كفرا ونفاقا مضموما إلى كفرهم ونفاقهم السابق ، ويستحكم ذلك فيهم إلى أن يموتوا وهم كافرون بالقرآن وبالنبيصلىاللهعليهوسلم. وهذا مناقض للهدف من إنزال السورة ، فهي في الحقيقة هدى ونور ، وشفاء لما في الصدور ، وجلاء لما في القلوب ، كما قال تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) [الإسراء ١٧ / ٨٢] وقال عزوجل : (قُلْ: هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ ، وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ، فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ ، وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ، أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فصلت ٤١ / ٤٤] فهذا من جملة شقائهم أن ما يهدي القلوب يكون سببا لضلالهم ودمارهم ، كما أن سيء المزاج لا يفيده الغذاء إلا تأخرا ونقصا.