النَّارِ ..) أي وأولئك أهل النّار الملازمون لها ، المستحقون دخولها ، الماكثون فيها أبدا لا يحولون عنها ولا يزولون بسبب كفرهم وإنكارهم البعث وتكذيبهم الرسول : (كَلَّا ، بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين ٨٣ / ١٤] والمراد بذلك التهديد بالعذاب المخلد المؤبد. وهذا يدل على أن العذاب المخلد ليس إلا للكفار بهذه الآية.
ولم يقتصر تكذيبهم الرسول على إنكار عذاب الآخرة ، وإنما أنكروا أيضا عذاب الدّنيا ، فقال تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ) أي ويستعجلك هؤلاء المكذبون بالعقوبة قبل السّلامة منها والعافية من بلائها ، كما قال تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) [المعارج ٧٠ / ١] وقال : (وَإِذْ قالُوا : اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ ، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال ٨ / ٣٢] وقال : (وَقالُوا : رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) [ص ٣٨ / ١٦] أي عجّل لنا عقابنا وحسابنا.
(وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) أي قد أوقعنا نقمنا بالأمم الخالية وجعلناهم عبرة وعظة لمن اتعظ بهم ، وبعبارة أخرى : ويستعجلونك بالعقاب مستهزئين بإنذارك ، والحال أنه قد مضت العقوبات النّازلة على أمثالهم من المكذبين ، كالرجفة والخسف والطوفان ونحوها.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ ..) أي إنه تعالى ذو عفو وصفح وستر للناس على ذنوبهم ، مع أنهم يظلمون ، ويخطئون باللّيل والنّهار ، ولولا حلمه وعفوه لعجل لهم العذاب فور ارتكاب الذنب ، كما قال : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ، ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) [فاطر ٣٥ / ٤٥] وقال : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ، لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا ، لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ ، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً) [الكهف ١٨ / ٥٨].