سنتنا أن من لم يؤمن بالآيات المنزلة بعد طلبها ، أهلكناهم ودمرناهم بذنوبهم.
وهنا أعرض البيان عن الجواب عن قول المشركين ، إلى توضيح مهمة الرسول التي أرسل بها وهي الهداية والإنذار ، لا تلبية الطلبات ، فقال تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) أي إنما أنت رسول عليك أن تبلغ رسالة الله التي أمرك بها ، وأما الآيات فأمرها إلى الله ، كما قال تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ، وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [البقرة ٢ / ٢٧٢].
(وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) أي ولكل أمة أو قوم داع من الأنبياء ، يدعوهم إلى الله عزوجل وإلى الدّين الحق ، وسبيل الخير والرشاد ، كما في آية أخرى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر ٣٥ / ٢٤].
ويصح أن يكون (هادٍ) معطوفا على (مُنْذِرٌ) وفصل بينهما بقوله (لِكُلِّ قَوْمٍ) أي أنت منذر وهاد لكل قوم ، وبه قال عكرمة وأبو الضحى.
والخلاصة : إن الآية نزلت في المشركين والكفار الذين لم يعتدوا بالآيات الخارقة المنزلة كانشقاق القمر ، وانقياد الشّجر ، وانقلاب العصا سيفا ، ونبع الماء من بين الأصابع ، وأمثال هذه ، فاقترحوا عنادا آيات ، كالمذكورة في الإسراء والفرقان كتفجير الينبوع والرقي في السّماء والملك والكنز ، فقال الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم : إنما أنت منذر تخوفهم من سوء العاقبة ، وناصح كغيرك من الرسل ، ليس لك الإتيان بما اقترحوا ، فالاقتراح إنما هو عناد ، ولم ينزل الآيات إلا إذا تحتم العذاب والاستئصال (١).
فقه الحياة أو الأحكام :
يفهم من الآيات ما يأتي :
١ ـ إنكار البعث والقيامة مدعاة للعجب الشّديد ، والله تعالى لا يتعجب ،
__________________
(١) البحر المحيط : ٥ / ٣٦٧