ثم ضرب الله تعالى مثلا للشرك والإيمان بالظلمات والنور.
٤ ـ طمس الله على عقول المشركين ، فلم يقتنعوا بما سبق ، بل جعلوا لله شركاء فاقدة أهم مقومات الألوهية وهو الخلق والإبداع ، فهي عاجزة عن خلق أي شيء ، فلا يمكن بعدئذ أن تنافس مخلوقات الله ، ولو كان للعالم صانعان لاشتبه الخلق ، ولم يتميز فعل هذا عن فعل ذلك ، فبم يعلم أن الفعل من اثنين؟! والمشركون حينما اتخذوا آلهة خلقوا مخلوقات كالتي خلقها الله ، التبس الأمر عليهم ، فلا يدرون خلق الله من خلق آلهتهم. وهو تهكم بهم ، فإنهم في الحقيقة يرون كل شيء من خلق الله ، وأن هذه الآلهة لم تخلق شيئا ، ومع هذا فإنهم يعبدونها من دون الله.
٥ ـ الله خالق كل شيء ، فلزم لذلك أن يعبده كل شيء. والآية رد على المشركين والقدرية الذين زعموا أنهم خلقوا كما خلق الله. والله تعالى هو الواحد قبل كل شيء ، والقهار الغالب لكل شيء ، الذي يغلب في مراده كل مريد ، فكيف يصح بعد هذا القول بشريك لله؟!
٦ ـ استدل أهل السنة بهذه الآية على خلق الأفعال ، أي أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ، وأن العبد لا يخلق فعل نفسه ؛ لأن فعله شيء والله خالق كل شيء ، وإنما يحصل منه الكسب والتوجيه واختيار ما خلق الله له.
أما المعتزلة فقالوا : إن العبد يفعل ويحدث ، ولا نقول : إنه يخلق كخلق الله تعالى ، وإنما يفعل لجلب منفعة ودفع مضرة ، والله تعالى منزه عن ذلك كله ، فلا يلزمهم أنهم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه.
وقال المجبرة : عين ما هو خلق الله تعالى هو كسب العبد وفعل له. وهذا عين الشرك ؛ لأن الإله والعبد في خلق تلك الأفعال بمنزلة الشريكين ، وكل شريك له حق في فعل الآخر.