عليهم : ما أقدمكم بلادي؟ فقالوا : أيّها العزيز ، إنّا قدمنا للميرة ، قال : فلعلكم عيون؟ قالوا : معاذ الله ، قال : فمن أين أنتم؟ قالوا : من بلاد كنعان وأبونا يعقوب نبيّ الله ، قال : وله أولاد غيركم؟ قالوا : نعم ، كنّا اثني عشر ، فذهب أصغرنا هلك في البريّة ، وكان أحبّنا إلى أبيه وبقي شقيقه ، فاحتبسه أبوه ليتسلّى به عنه ، فأمر بإنزالهم وإكرامهم.
لكن يبعد من يوسف عليهالسلام أن يتّهم إخوته وينسبهم إلى أنهم جواسيس وعيون ، لأنه يعرف براءتهم عن هذه التّهمة. وعلى كل حال إنه سؤال لا يقتضي صحته.
ولما جهّزهم بجهازهم ، أي لما أوفى لهم كيلهم ، وحمل أحمالهم من القمح ، وهي عشرة أحمال وزادهم حملين آخرين لأبيهم وأخيهم ، قال : ائتوني في المرة القادمة بأخ لكم من أبيكم؟ وهو بنيامين ، ألا ترون أني أتمّ لكم الكيل الذي تريدون دون بخس ، وأزيدكم حمل بعير آخر لأجل أخيكم ، وأنا خير المنزلين ، المضيفين للضيوف ، وكان أحسن ضيافتهم؟ وقصده من ذلك ترغيبهم في الرّجوع إليه ، وكان السّبب في سؤال يوسف عن حال أخيهم أنهم ذكروا أن لهم أبا شيخا كبيرا وأخا بقي في خدمة أبيه ، ولا بدّ لهما أيضا من شيء من الطعام ، فجهّز لهما أيضا بعيرين آخرين من الطعام ، فقال يوسف : فهذا يدلّ على أن حبّ أبيكم له أزيد من حبّه لكم ، فجيئوني به حتى أراه.
ثم أنذرهم بقوله : (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ ، فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي) أي إن لم تقدموا به في المرة الثّانية فليس لكم عندي ميرة ، (وَلا تَقْرَبُونِ) أي ولا تدخلون بلادي.
(قالُوا : سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ) سنجتهد في طلبه من أبيه ، ونحاول إقناعه بذلك برفق ، وإنّا لفاعلون ذلك لا محالة ، أي سنحرص على مجيئه إليك بكلّ إمكاناتنا ولا نبقي مجهودا نبذله ، لتعلم صدقنا فيما قلناه.