التفسير والبيان :
أمر يعقوب بنيه لما جهزهم مع أخيهم بنيامين إلى مصر ألا يدخلوا كلهم من باب واحد ، وليدخلوا من أبواب متفرقة ، لأنهم كانوا من أهل جمال وكمال ، وذلك في رأي جمهور المفسرين لئلا تصيبهم العين ، فإنه خاف من العين عليهم ، والعين حق أي أنها سبب حق في الظاهر قد تؤدي إلى الضرر ، ولكن بإذن الله وإرادته ، بدليل قوله بعدئذ : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ). أو ليروا من العزيز فرق الاستقبال بينهم وبين أخيهم بنيامين.
(وَما أُغْنِي ..) أي وما أدفع عنكم بوصيتي وتدبيري من قضاء الله شيئا ، إذ لا يغني حذر من قدر ، أي إن هذا الاحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه ، فإن الله إذا أراد شيئا لا يخالف ولا يمانع ، ولكنا مأمورون باتخاذ وسائل الحيطة والحذر : (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) [النساء ٤ / ١٠٢] أخذا بالأسباب العادية الظاهرية التي لا تؤثر في الواقع شيئا إلا بإذن الله ، واستعانة بالله ، وفرارا منه إليه ، وليس دفعا للقدر ، وتحديا للقضاء ، فلا يملك الإنسان من أمره شيئا ، فما أراد الله بكم سوءا لم ينفعكم ولم يدفع عنكم ما أشرت به من التفرق ، وهو مصيبكم لا محالة.
وما إنفاذ الأحكام وتدبير الأمور إلا لله وحده ، عليه وحده توكلت ، وبه وثقت ، وإليه فوضت أمري ، دون حولي وقوتي ، وعليه تعالى وحده فليتوكل المتوكلون ، لا على أنفسهم ولا على أمثالهم من البشر.
ولما دخلوا أي أولاد يعقوب مصر ، التي كان لها أربعة أبواب ، من حيث أمرهم أبوهم ، أي من أبواب متفرقة ، ما كان رأي يعقوب ودخولهم على هذا النحو متفرقين يفيدهم شيئا قط ، حيث أصابهم ما ساءهم ، مع تفرقهم ، من نسبة السرقة إليهم ، وافتضاحهم بذلك ، وأخذ أخيهم فداء لوجدان الصواع في رحله ، وتضاعف المصيبة على أبيهم.