المناسبة :
بعد أن بيّن الله تعالى بالأدلة المتقدمة أنه لا معبود إلا الله سبحانه ، وأنه لا يجوز عبادة غيره تعالى أصلا ، وطلب من رسوله أن يعجب من حال قومه الذين عبدوا الأصنام ، أردف ذلك بذكر أصلهم إبراهيم ، وأنه دعا أن يجعل مكة بلد أمان واستقرار ، وأن يجنّبه وبنيه عبادة الأصنام ، وأنه أسكن بعض ذريته عند البيت الحرام ليعبدوه وحده بالصلاة التي هي أشرف العبادات ، وأنه شكر الله تعالى على منحه بعد الكبر واليأس من الولد ولدين هما إسماعيل وإسحاق ، وأنه طلب المغفرة له ولوالديه وللمؤمنين يوم يوجد الحساب.
والخلاصة : إن إبراهيم عليهالسلام هو القدوة والنموذج لعبادة الله عزوجل ، فليقتد به من ينتمون إليه.
التفسير والبيان :
هذا تذكير من الله تعالى واحتجاج على مشركي العرب بأن مكة البلد الحرام إنما وضعت منذ القدم على عبادة الله وحده لا شريك له ، وأن إبراهيم عليهالسلام تبرأ ممن عبد غير الله ، وأنه دعا لمكة بالأمن والاستقرار في ظلّ التوحيد ، فقال : (رَبِّ اجْعَلْ ..) أي واذكر يا محمد لقومك حين دعا إبراهيم بقوله : ربي اجعل مكة بلدا آمنا أي ذا أمن واستقرار ، لا يسفك فيه دم ، ولا يظلم فيه أحد ، وقد أجاب الله دعاءه ، فجعله آمنا للإنسان والطير والنبات ، فلا يقتل فيه أحد ، ولا يصاد صيده ، ولا يختلى خلاه ، ولا يعضد شجره ، كما قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) [العنكبوت ٢٩ / ٦٧] وقال تعالى : (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) [آل عمران ٣ / ٩٧].
(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ ..) أي وباعدني يا رب وبني من عبادة الأصنام ، واجعل عبادتنا خالصة لك على منهج التوحيد. وهذا دليل على أنه ينبغي لكل