يرجى ذلك من الذي يعلم كلّ شيء ، وهو خالق كلّ شيء. وعبّر عن الأصنام كما يعبّر عن الآدميين لزعمهم أنها تعقل عنهم وتشفع لهم عند الله تعالى ، فجرى خطابهم على حسب زعمهم.
وهذا إيماء إلى أن البعث من لوازم التكليف ، للجزاء على العمل من خير أو شرّ ، وتصريح بأن من لوازم الألوهية معرفة يوم القيامة ، وهو تهكّم بالمشركين الذين لا يحسنون الفهم والتّقدير.
وبعد هدم عبادة الأصنام ، صرّح تعالى بالمطلوب فقال : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) أي إن إلهكم أيها الناس إله واحد ، لا إله إلا هو ، ومعبودكم الذي يستحقّ العبادة والطاعة بحقّ هو الإله المعبود الواحد. ثم ذكر سبب شركهم وإنكارهم التوحيد ، فقال تعالى :
(فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ..) أي فالذين لا يؤمنون بالآخرة وينكرونها ولا يصدّقون بها ، ولا يؤمنون بالوحدانية قلوبهم منكرة للتّوحيد ، وهم مستكبرون عن الإقرار بالوحدانية وعن عبادة الله ، فلا يرغبون في حصول الثواب ، ولا يرهبون من الوقوع في العقاب.
والمعنى أن الكافرين تنكر قلوبهم الوحدانية ، كما قال تعالى واصفا تعجبهم منها : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً ، إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص ٣٨ / ٥]. وقال تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ، وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر ٣٩ / ٤٥].
ثم هددهم تعالى وأوعدهم على أعمالهم ، فقال : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ..) أي حقّا ، إنّ ربّك يعلم ما يسرّ هؤلاء المشركون وما يعلنون ، ويعلم إصرارهم على كفرهم ، وسيجزيهم على ذلك أتمّ الجزاء ، إنه لا يحبّ المستكبرين عن التوحيد وهم