ثم أجمل الله تعالى موقف المشركين حول هذا الأمر ، فقال :
(لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ..) أي للذين لا يصدّقون بالحياة الآخرة وما فيها صفة السّوء التي هي كالمثل في القبح ، أي لهم صفة النّقص بما ينسب إليهم ، وهي الحاجة إلى الأولاد الذّكور ، وكراهة الإناث ، ووأدهن خشية الإملاق ، والإقرار على أنفسهم بالشّح البالغ.
(وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) أي وله تعالى الصفة العليا ، والكمال المطلق ، فهو الواحد المنزّه عن الولد والوالد والشريك ، وهو الغني عن العالمين ، والمنزّه عن صفات المخلوقين ، وهو الجواد الكريم ، أي فله الكمال المطلق من كل وجه.
(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي وهو القوي الذي لا يغلب ، الحكيم في صنعه الذي لا يفعل إلا بما تقتضيه الحكمة السديدة.
وبعد أن حكى الله تعالى عن المشركين عظيم كفرهم وقبيح قولهم ، بيّن أنه يمهل هؤلاء الكفار ، ولا يعاجلهم بالعقوبة ، فضلا منه ورحمة وكرما ، فقال :
(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ..) هذا إخبار عن حلمه تعالى بخلقه ، مع ظلمهم ، فلو أنه يؤاخذهم بذنوبهم ومعاصيهم ويعاقبهم على جرمهم فورا ، ما ترك على ظهرها من دابة ، أي لأهلك جميع دواب الأرض ، تبعا لإهلاك بني آدم ، ولكنه جلّ جلاله حليم ستّار غفور رحيم ، يؤخرهم إلى أجل مسمى ، فلا يعاجلهم بالعقوبة ؛ إذ لو فعل ذلك بهم لما أبقى أحدا.
روى البيهقي عن أبي هريرة رضياللهعنه أنه سمع رجلا يقول : إن الظالم لا يضرّ إلا نفسه ، فقال : بلى والله ، حتى إن الحبارى لتموت في وكرها بظلم الظالم.