الألبان من الأنعام ، وإخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب ، وهو إخراج العسل من النحل ، فقال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ).
أي وألهم (١) ربك النحل وجعل في غريزتها وطبعها ، وقرر في أنفسها هذه الأعمال العجيبة التي يعجز عنها عقلاء البشر ، فهي تعيش جماعات في الخلية ، ويرأس كل خلية أكبرها جثة وهي الملكة أو اليعسوب ، ومعها جماعة الذكور ، وجماعة الإناث وهي الشغّالات أو العاملات ، وتعيش عيشة تعاونية في أدق نظام ، وتقوم بامتصاص رحيق الأزهار ، وإفرازه عسلا وشمعا.
وتقوم بما يلي :
١ ـ (أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً ..) أي ألهمها الله وأرشدها أن تتخذ من الجبال بيوتا تأوي إليها ، ومن الشجر ، ومن عرائش الناس التي يصنعونها لها في البيوت والكروم ، فتبني بيوتا محكمة الإتقان ، سداسية الأشكال ، من أضلاع متساوية ، لا يزيد بعضها على بعض ، ولا يوجد فيها خلل ، تحزن في بعضها العسل ، وفي بعضها الآخر الشمع لتربية صغار النحل.
وجعلها سداسية لمنع الفرج الخالية الضائعة فيما بينها. وإذا نفرت نحلة من وكرها ذهبت مع الجمعية إلى موضع آخر ، فإذا أرادوا عودها ردوها إلى وكرها على ألحان الموسيقى والطبول. وكل ذلك دليل على مزيد الذكاء والكياسة.
٢ ـ (ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) أي ثم امتصي من رحيق جميع الثمار
__________________
(١) الإلهام : ما يخلقه الله تعالى في القلب ابتداء من غير سبب ظاهر ، وهو من قوله تعالى : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها). والنحل يؤنث في لغة أهل الحجاز ، مثل كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا الهاء.