ثم ذكر تفاوت الناس في أرزاقهم ، كما قال : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ)
(الدُّنْيا) [الزخرف ٤٣ / ٣٢] وهي من قسمة الخلاق. ثم ذكر نعمة ثالثة ورابعة وهي جعل الأزواج من جنس الذكور ، والرزق من الطيبات من نبات كالثمار والحبوب والأشربة ، ومن حيوان مختلف الأنواع.
التفسير والبيان :
تستمر الآيات في تعداد مظاهر قدرة الله وعظمته وألوهيته ونعمه ، وهي متعلقة هنا بالإنسان ، فيذكر تعالى مراحل نشوء الإنسان ، وأنه هو سبحانه الذي أنشأ الناس من العدم ، ثم بعد ذلك يتوفاهم ، ومنهم من يتركه حتى يدركه الهرم ، وهو الضعف في الخلقة ، فقال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ ..).
أي والله أوجدكم يا بني آدم ، ولم تكونوا شيئا ، ثم حدد لأعماركم آجالا معينة ، فمنكم من يتوفاه عند انقضاء آجالكم ، ومنكم من يهرم ويصير في أرذل العمر وأسوئه وهو حال ضعف القوى والحواس والخرف ، أو فقدها ، وقلة الحفظ والعلم ، كما قال تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً) [الروم ٣٠ / ٥٤] وقال سبحانه : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) [يس ٣٦ / ٦٨] وقال عزوجل : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ، ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) [التين ٩٥ / ٤ ـ ٥].
وروى البخاري وابن مردويه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يدعو : «أعوذ بك من البخل والكسل والهرم وأرذل العمر ، وعذاب القبر ، وفتنة الدجال ، وفتنة المحيا والممات» وفي حديث سعد بن أبي وقاص : «وأعوذ بك أن أردّ إلى أرذل العمر». وروي عن علي رضياللهعنه : أرذل العمر : خمس وسبعون سنة. وهذا أمر غير مطرد ، وربما كان هذا هو الغالب في الماضي.