العهد (تَوْكِيدِها) توثيقها (كَفِيلاً) شاهدا ورقيبا بالوفاء ، حيث حلفتم به ، والجملة حال (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) في نقض الأيمان أو العهود ، وهو تهديد لهم.
(نَقَضَتْ) أفسدت أو فكت غزلها من بعد إبرام وإحكام (غَزْلَها) ما غزلته من صوف ونحوه ، وهو مصدر بمعنى المفعول (مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ) متعلق بنقضت ، أي من بعد إحكام له وإبرام (أَنْكاثاً) جمع نكث : وهو ما ينكث بمعنى منكوث وهو المنقوص ، أي يحل فتله وينقض بعد غزله. وهي امرأة حمقاء من مكة ، كانت تغزل طول يومها ، ثم تنقضه. (تَتَّخِذُونَ) أي لا تكونوا مثلها في اتخاذكم أيمانكم مكرا وخديعة (دَخَلاً) أي فسادا ومكرا وخديعة ، وأصل الدّخل : ما يدخل في الشيء ، وليس منه ، والمراد أن يظهر المرء الوفاء بالعهد ويبطن النقض.
(أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ) أي لأن تكون جماعة (هِيَ أَرْبى) أكثر وأوفر عددا. والمناسبة : أنهم كانوا يحالفون الحلفاء ، فإذا وجدوا أكثر منهم وأعز ، نقضوا حلف أولئك ، وحالفوهم.
(إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ) يختبركم الله بما أمر به من الوفاء بالعهد ، لينظر المطيع منكم والعاصي ، أو يختبركم بكون أمة أربى ، لينظر : أتفون بالعهود أم لا؟ (وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) في الدنيا من أمر العهد وغيره ، بأن يعذب الناكث ويثيب الوافي (وَلَوْ شاءَ اللهُ) هذه المشيئة مشيئة اختيار على مذهب أهل السنة (أُمَّةً واحِدَةً) أهل دين واحد ، متفقين على الإسلام (وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي أنه تعالى جعل ناسا للشقاوة أو الضلال وهم من لم يأخذوا بأسباب الهدى ، وكان في سابق علم الله أنهم لو تركوا وأنفسهم لما فعلوا إلا الضلال والفساد والبهتان ، وجعل ناسا آخرين للسعادة وهم من اهتدوا بآيات الله ، وعلى هذا النحو خلق الضلال والهدى ، أما الإضلال فبالخذلان لمن اختار الكفر ، عدلا ، وأما الهداية فبالتوفيق لاختيار الإيمان والدوام عليه ، فضلا.
(وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) هذا سؤال توبيخ وتبكيت يوم القيامة ، لا سؤال تفهم ، فهذا منفي في آيات أخرى ، مثل : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن ٥٥ / ٣٩].
(وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ) كرره تأكيدا ، وهو تصريح بالنهي عنه بعد التضمين ، تأكيدا ومبالغة في قبح المنهي (فَتَزِلَّ قَدَمٌ) أي أقدامكم عن محجة الإسلام ، وإنما وحد ونكر للدلالة على أن زلل قدم واحدة عظيم ، فكيف بأقدام كثيرة؟! (بَعْدَ ثُبُوتِها) استقامتها عليه (السُّوءَ) العذاب في الدنيا (بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي بصدودكم عن الوفاء بالعهد ، أو بصدكم غيركم عنه ؛ لأنه يستن بكم (وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في الآخرة.
(وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي ولا تستبدلوا بعهد الله وبيعة رسوله عرضا يسيرا من الدنيا ، بأن تنقضوه لأجله. والمناسبة : أن قريشا كانوا يعدون بوسائل الإغراء ضعاف المسلمين