وهدف ، والله أعلم بما ينزله من القرآن ، ورأوا تغيير الأحكام ناسخها بمنسوخها ، عيّروا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، وقالوا له : إنما أنت مفتر ، أي كذاب ، متقول على الله ، تأمر بشيء ثم تنهى عنه ، بل أكثرهم لا يعلمون ما في التغيير من حكمة ومصلحة للناس ، ومراعاة لظروف التغير والتطور ، وأخذ بمبدإ التدرج في تنزيل الأحكام ، فليس محمد بمفتر ، وإنما يفعل الله ما يشاء ويحكم ما يريد ، كما قال تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها ، نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة ٢ / ١٠٦].
فردّ الله عليهم شبهتهم الواهية آمرا رسوله : (قُلْ : نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ..) أي قل لهم يا محمد : نزّله ، أي القرآن المتلو عليكم جبريل عليهالسلام ، وقد أضيف أي جبريل إلى القدس وهو الطهر من المآثم ، نزّله من ربك بالحق ، أي مقترنا بالصدق والعدل والحكمة ، وأن النسخ من جملة الحق.
(لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا ..) أي ليبلوهم بالنسخ ، فيصدقوا بما أنزل أولا وثانيا ، وتطمئن له قلوبهم ، فإذا قالوا : هو الحق من ربنا ، حكم لهم بثبات القدم في الدين وصحة اليقين بأن الله حكيم ، فلا يفعل إلا ما هو حكمة وصواب.
واستعمال كلمة (نَزَّلَهُ) الدالة على أن التنزيل شيئا فشيئا على حسب الحوادث والمصالح ، فيه إشارة ـ كما قال الزمخشري ـ إلى أن التبديل من باب المصالح ، وأن ترك النسخ بمنزلة إنزاله دفعة واحدة في خروجه عن الحكمة.
(وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) معطوف على محل (لِيُثَبِّتَ) أي إن القرآن بما فيه من نسخ نزل تثبيتا لهم ، وإرشادا وهاديا ، وبشارة بالجنة للمسلمين الذين أسلموا وجوههم لله ، وأطاعوه ، وانقادوا لحكمه وأمره ، وآمنوا بالله ورسله.
وهذا يدل على أن المسلمين إذا رأوا النسخ ، رسخت عقائدهم واطمأنت