قلوبهم ، وثبت الدين في نفوسهم ، وتيقنوا من حكمة الله ، وهدوا إلى الحق من الضلال والزيغ ، وبشروا بجنات تجري من تحتها الأنهار. وأما المشركون فهم على الضد من هذه الصفات.
والشبهة الثانية :
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ : إِنَّما يُعَلِّمُهُ ..) أي ونحن نعلم تمام العلم ما يقوله المشركون من الكذب والافتراء على محمد صلىاللهعليهوسلم ، فهم يقولون جهلا : إنما يعلمه هذا القرآن بشر آدمي ، وليس وحيا من الله ، ويشيرون إلى رجل أعجمي اللسان ، لا يعرف العربية ، غلام لبعض القرشيين ، وكان بياعا يبيع عند الصفا ، وربما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يجلس إليه ، ويكلمه بعض الشيء.
واسمه جبر ، وقيل : بلعام ، وقيل : يعيش عبد لبني الحضرمي ، وكان غلاما للفاكه بن المغيرة أو لعامر بن الحضرمي أو لعتبة بن ربيعة (١) ، وكان نصرانيا فأسلم ، فإذا سمع المشركون بعض القصص القرآني ، قالوا : إنما يعلمه جبر ، وهو أعجمي.
فردّ الله عليهم افتراءهم وكذبهم بنحو يدعو إلى العجب ، فقال : (لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ ..) أي لسان الذي يميلون ويشيرون إليه أعجمي لا عربي ، والقرآن كلام عربي واضح مبين لكل شيء فصيح يدرك بسرعة ، بل أفصح ما يكون من العربية ، فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن في فصاحته ، وبلاغته ، ومعانيه التامة الشاملة التي هي أكمل من معاني كل كتاب نزل على بني إسرائيل ، كيف يتعلم من رجل أعجمي لا يحسن التعبير العربي؟! لا يعقل أن يتعلم هذا النبي كلاما من هذا النوع من مثل هذا الرجل الأعجمي.
__________________
(١) قال القرطبي : والكل محتمل ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم ربما جلس إليهم في أوقات مختلفة ليعلمهم مما علمه الله ، وكان ذلك بمكة.