(لا جَرَمَ) حقا (الْخاسِرُونَ) إذ ضيعوا أعمارهم ، وصرفوها فيما أفضى بهم إلى العذاب المخلد ، وصاروا إلى النار المؤبدة عليهم.
(هاجَرُوا) من مكة إلى المدينة (مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا) عذّبوا أو اختبروا بالعذاب ، وتلفظوا بالكفر ، كعمار رضياللهعنه. ومن قرأ : (فُتِنُوا) معناه كفروا ، أو فتنوا الناس عن الإيمان ، كالحضرمي أكره مولاه جبرا ، حتى ارتد ، ثم أسلما وهاجرا (ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا) على الجهاد وما أصابهم من المشاق (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) من بعد الفتنة والهجرة والجهاد والصبر (لَغَفُورٌ) لهم لما فعلوا قبل (رَحِيمٌ) بهم ، منعم عليهم ، مجازاة على ما صنعوا بعد.
(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ) اذكر ، وهو يوم القيامة (تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) تحاج وتجادل عن ذاتها وتسعى في خلاصها ، لا يهمها شأن غيرها ، فتقول : نفسي نفسي. والنفس الأولى : الجثة والبدن ، والنفس الثانية : عينها وذاتها (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ) تعطى جزاء ما عملت (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) لا ينقصون أجورهم شيئا
سبب النزول :
نزول الآية (١٠٦):
(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ :) أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لما أراد النبي صلىاللهعليهوسلم أن يهاجر إلى المدينة ، أخذ المشركون بلالا ، وخبّابا ، وعمار بن ياسر ، فأما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم تقيّة ، فلما رجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حدّثه فقال : كيف كان قلبك حين قلت : أكان منشرحا بالذي قلت؟ قال : لا ، فأنزل الله : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).
وأخرج ابن أبي حاتم أيضا عن مجاهد قال : نزلت هذه الآية في أناس من أهل مكة آمنوا ، فكتب إليهم بعض الصحابة بالمدينة أن هاجروا ، فخرجوا يريدون المدينة ، فأدركتهم قريش بالطريق ففتنوهم ، فكفروا مكرهين ، ففيهم نزلت هذه الآية.