(إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ..) [الآية : ١٤٥]. وأما المذكور في سورة المائدة من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكي (ذبح حيا) فهو داخل في الميتة.
ثم استثنى تعالى حالة الضرورة فقال : (فَمَنِ اضْطُرَّ ..) أي فمن دعته الضرورة وألجأته،واحتاج من غير بغي ولا عدوان إلى تناول شيء من هذه المحرّمات ، لمجاعة غلب على ظنه الهلاك فيها ، غير باغ على مضطر آخر ، بأن ينفرد بتناوله ، فيهلك الآخر ، ولا عاد أي متجاوز ما يسد الرمق والجوع أي قدر الضرورة ، مما يدل على تحريم الشبع وهو مذهب الأكثرين ، فإن الله غفور ستار لذنبه أو هفوته ، لا يؤاخذه على ذلك ، رحيم به أن يعاقبه على مثل ذلك. وفي هذا تيسير وتوسعة على هذه الأمة التي يريد الله بها اليسر ولا يريد بها العسر.
ثم نهى الله تعالى عن سلوك سبيل المشركين بالتحليل والتحريم بآرائهم ، وما ابتدعوه شرعا في جاهليتهم من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وغير ذلك ، وتحليل الميتة والدم وغيرهما ، فقال : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ ..) أي ولا تحللوا وتحرموا بالرأي والهوى والجهالة ، دون اتباع شرع الله ، ولمجرد وصف ألسنتكم الكذب دون دليل. وهذه مبالغة في تأكيد حصر المحرمات في الأربع السابقة.
(لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) أي لتصير عاقبة أمركم إسناد التحليل والتحريم إلى الله كذبا ، من غير إنزال شيء فيه ، فإن من حلل أو حرم شيئا برأيه دون دليل أو وحي من الله ، كان من الكاذبين على الله تعالى.
فيدخل في هذا النهي كل من حلل شيئا مما حرم الله ، أو حرم شيئا مما أباح الله بمجرد رأيه وهواه ، وكل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي.
ثم توعد على ذلك فقال : (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ،