الله تشريف لآدم (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) أي فاسقطوا له ساجدين سجود تحية بالانحناء. (كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) فيه تأكيدان للمبالغة في التعميم (إِلَّا إِبْلِيسَ) هو أبو الجن ، الذي كان بين الملائكة (أَبى) امتنع من أن يسجد له ، والاستثناء إما منقطع متصل بقوله : (أَبى) أي لكن إبليس أبى ، وإما متصل على أنه استئناف ، على أنه جواب سائل قال : هلا سجد.
(قالَ) تعالى (يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ ..) أي ما منعك ، أو أي غرض لك في ألا تكون مع الساجدين (قالَ : لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) لا ينبغي لي أن أسجد ، واللام لتأكيد النفي ، أي لا يصح مني ، وينافي حالي (لِبَشَرٍ) جسماني كثيف ، وأنا ملك روحاني (خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) أي وهو أخسّ العناصر ، وأنا خلقتني من نار ، وهي أشرف العناصر.
(فَاخْرُجْ مِنْها) أي من الجنة أو من السموات أو من زمرة الملائكة (رَجِيمٌ) مطرود من الخير والكرامة ، وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته (اللَّعْنَةَ) الطرد والإبعاد (إِلى يَوْمِ الدِّينِ) يوم الجزاء (فَأَنْظِرْنِي) أمهلني وأخرني ولا تمتني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي يوم بعث الناس (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) المسمى فيه أجلك عند الله ، أو وقت انقراض الناس كلهم ، وهو وقت النفخة الأولى حين تموت الخلائق ، كما روي عن ابن عباس. ويجوز أن يراد بالأيام الثلاثة : يوم القيامة ، واختلاف العبارات لاختلاف الاعتبارات كما قال البيضاوي ، فهو يوم الجزاء ، ويوم البعث ، واليوم المعلوم وقوعه عند الله ، والمؤكد حدوثه في علم الناس.
(بِما أَغْوَيْتَنِي) أي بإغوائك لي ، والإغواء : الإضلال ، والباء للقسم ، وما : مصدرية ، وجواب القسم : (لَأُزَيِّنَنَ) والمعنى : أقسم بإغوائك إياي لأزينن لهم المعاصي في الدنيا التي هي دار الغرور (الْمُخْلَصِينَ) أي المؤمنين الذين استخلصهم الله لطاعته وطهرهم من الشوائب ، وقرئ بكسر اللام ، أي الذين أخلصوا لك العبادة من الرياء أو الفساد.
(هذا صِراطٌ عَلَيَّ ..) أي هذا حق علي أن أراعيه (مُسْتَقِيمٌ) أي لا انحراف فيه ، ولا عدول عنه إلى غيره. والإشارة إلى ما تضمنه الاستثناء : وهو تخلص المخلصين من إغوائه ، أو الإخلاص.
(إِنَّ عِبادِي) المؤمنين (لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ ..) تصديق لإبليس فيما استثناه ، والمراد بيان نجاتهم من تأثير الشيطان عليهم. والسلطان : التسلط بالإغواء (الْغاوِينَ) الكافرين (لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) أي لموعد الغاوين أو المتبعين ، و (أَجْمَعِينَ) تأكيد للضمير ، أو حال ، والعامل فيها : الموعد إن جعل مصدرا على تقدير مضاف ، أما إن جعل اسم مكان فإنه لا يعمل (سَبْعَةُ أَبْوابٍ) يدخلون منها لكثرتهم ، أو سبع طبقات ينزلونها بحسب مراتبهم في المتابعة ، وهي جهنم ، ثم لظى ، ثم الحطمة ، ثم السعير ، ثم سقر ، ثم الجحيم ، ثم الهاوية. ولعل تخصيص العدد