فقه الحياة أو الأحكام :
هذه الآية دليل على آخر على وسطية الإسلام ، فينبغي للإنسان أن يذكّر نفسه وغيره ، فيخوّف ويرجّي ، ويكون الخوف في حال الصحة أغلب عليه منه في حال المرض ، فهو في حال دائمة بين الخوف والرجاء ؛ لأن القنوط إياس ، والرجاء إهمال ، وخير الأمور أوسطها.
فالله تعالى وسعت رحمته كل شيء ، وهو كثير المغفرة لمن تاب وأناب ، ولكنه أيضا لتحقيق التوازن وقمع الفاحشة والمنكر والشرك شديد العذاب لمن أصرّ على معصيته ، ومات قبل التوبة والإنابة ، وذلك هو العدل المطلق.
وكل من اعترف بالعبودية ظهر في حقه كون الله غفورا رحيما ، ومن أنكر ذلك ، كان مستوجبا للعقاب الأليم ؛ لأنه كما يقول الأصوليون : ترتيب الحكم على الوصف يشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم أو «تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق». فقد وصفهم بكونهم عبادا له ، ثم ذكر عقيب هذا الوصف : الحكم بكونه غفورا رحيما.
قال الرازي : وفي الآية لطائف :
إحداها ـ أنه أضاف العباد إلى نفسه بقوله : (عِبادِي) وهذا تشريف عظيم.
وثانيها ـ لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة هي : (أَنِّي) و (أَنَا) وإدخال الألف واللام على قوله : (الْغَفُورُ الرَّحِيمُ). ولما ذكر العذاب لم يقل : إني أنا المعذب ، وما وصف نفسه بذلك ، بل قال : (وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ).
وثالثها ـ أنه أمر رسوله بأن يبلغهم هذا المعنى ، فكأنه أشهد رسوله على نفسه في التزام المغفرة والرحمة.