(وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ ..) أي وما صرفنا عن الإتيان بما يقترحونه من الآيات إلا تكذيب المتقدّمين الأولين بأمثالها ، فإن أتينا بها وكذّب بها أهل مكة وأمثالهم ، عجّلنا لهم العذاب ، ولم يؤخّروا ، كما هي سنّة الله في خلقه.
والآيات التي اقترحها أهل مكة ـ كما بيّنا في سبب النزول ـ مثل جعل الصّفا ذهبا ، وتنحية الجبال عنهم ، وجعل أراضيهم صالحة للزراعة.
وأما الآيات التي اقترحها الأولون ثم كذّبوا بها لما أرسلت ، فأهلكوا جميعا ، مثل ناقة صالح لثمود ، فلما عقروها أخذتهم الصيحة ، وبقيت آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبة من حدودهم ، يبصرها الذاهب والعائد كما قال تعالى هنا : (وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها) أي وأعطينا قبيلة ثمود الناقة حجّة واضحة دالّة على وحدانية من خلقها ، وصدق رسوله الذي لبى الله دعاءه فيها. وقوله تعالى : (مُبْصِرَةً) أي بيّنة أو ذات إبصار يدركها الناس ، وإنما خصّت بالذّكر هنا دون غيرها ؛ لأن آثار هلاك ثمود قريبة من بلاد العرب وفي طريقهم. وقوله تعالى : (فَظَلَمُوا بِها) أي كفروا بها ومنعوها شربها وقتلوها ، فأبادهم الله عن آخرهم وانتقم منهم.
(وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) أي ولا نبعث بالآيات إلا تخويفا للناس من نزول العذاب العاجل لعلهم يعتبرون ويذكرون ويرجعون ، فإن لم يخافوا وقع عليهم.
ذكر ابن كثير أن الكوفة رجفت (زلزلت) على عهد ابن مسعود رضياللهعنه ، فقال : يا أيها الناس ، إن ربّكم يستعتبكم فأعتبوه ، وروي أن المدينة زلزلت على عهد عمر بن الخطابرضياللهعنه مرات ، فقال عمر : أحدثتم والله ، لئن عادت لأفعلنّ ولأفعلنّ ، وفي الحديث المتّفق عليه بين الشيخين : «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ،