المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى وصف المشركين في اعتقادهم آلهتهم ، وأنها تضر وتنفع ، وأتبع ذلك بقصة إبليس مع آدم ، وتمكينه من وسوسة ذريته ، ذكر ما يدل من أفعاله على وحدانيته ، وأنه هو النافع الضارّ ، المتصرف في خلقه بما يشاء ، وتلك المخلوقات هي نعم إلهية على الإنسان ، سواء في البر والبحر ، ودلائل القدرة الإلهية ، فهو تعالى الذي يزجى الفلك في البحر ، وينجي من الغرق ، ومن تمام نعمته : تكريم الناس ورزقهم وتفضيلهم على جميع الخلق ، مما يستوجب الإفراد بالعبادة.
التفسير والبيان :
ربكم اللطيف بعباده هو الذي يوفر مصالح خلقه ويسهل لهم سبل الحياة ، فيجري ويسيّر لكم السفن في البحر بمختلف القوى كالريح أو الطاقة البخارية أو الكهربائية أو الذرية ، لنقل الأشخاص للسياحة أو للارتزاق بين بلاد الدنيا ، ونقل البضائع والسلع التجارية من إقليم إلى إقليم ، وطلب الرزق من فضل الله ، إنه كان بكم رحيما ، أي إنما فعل هذا بكم من فضله عليكم ورحمته بكم.
ومن رحمته تعالى وفضله ما أخبر به : (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ..) أي وإذا أصابكم أيها الناس ضر أو شدة وجهد في البحر ، ذهب عن تصوراتكم وخواطركم كل من تدعونه في حوادثكم وتعبدونه من دون الله من صنم أو ملك أو بشر إلا إياه سبحانه ، فلا تتذكرون إلا الله ، ولا تلجؤون لسواه لكشف الضر عنكم.
وذلك كما حدث لعكرمة بن أبي جهل لما ذهب فارّا من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين فتح مكة ، وركب في البحر ليدخل الحبشة ، فجاءتها ريح عاصف ، فقال القوم بعضهم لبعض : إنه لا يغني عنكم إلا أن تدعوا الله وحده ، فقال عكرمة في نفسه :