والله إن كان لا ينفع في البحر غيره ، فإنه لا ينفع في البر غيره ، اللهم لك عليّ عهد ، لئن أخرجتني منه لأذهبن فلأضعن يدي في يد محمد ، فلأجدنه رؤفا رحيما ، فخرجوا من البحر ، فرجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأسلم وحسن إسلامه رضياللهعنه وأرضاه.
(فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ) أي فلما أمنتم وأنقذكم ، وأوصلكم إلى شاطئ البر والسلامة ، واستجاب دعاءكم ، أعرضتم ، أي نسيتم ما عرفتم من توحيده في البحر ، وأعرضتم عن دعائه ، وعدتم إلى الإشراك به.
وعلة ذلك ما قال تعالى : (وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً) أي وكانت سجية الإنسان وطبعه أن ينسى النعم ويجحدها إلا من عصم الله تعالى.
ثم ناقشهم تعالى محذرا من جحود النعمة فقال :
(أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ ..) أي أفحسبتم بخروجكم إلى البر أنكم أمنتم من انتقام الله وعذابه ، بأن يخسف بكم جانب البر الذي تقطنون فيه بتغييبه في باطن الأرض ، أو أن يرسل عليكم حاصبا ، وهو المطر الذي فيه حجارة من السماء أو الريح التي تحصب أي ترمي بالحصباء وهي الحصى الصغار ، كما فعل بقوم لوط (ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً) أي لا تجدون بعدئذ ناصرا تكلون إليه أموركم ، وينقذكم منه ، ومن يتوكل بصرف ذلك عنكم. وجانب البر : ناحية الأرض.
والحاصب أخبر تعالى عنه في آيات ، مثل : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [القمر ٥٤ / ٣٤] ومثل (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) [الحجر ١٥ / ٧٤].
(أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ ...) أي أم أمنتم أيها المعرضون عنا ، بعد ما اعترفتم في البحر بتوحيدنا ، وخرجتم إلى البر ، أن يعيدكم في البحر مرة ثانية ، فيرسل عليكم وأنتم راكبون في السفن ريحا قاصفا تقصف السواري ، وتغرق