بالمدينة مرة ثانية ، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك ، أو أنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه ، وهي آية : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ)(١). وكذا قال الحافظ ابن حجر. قال السيوطي : أو يحمل سكوته حين سؤال اليهود على توقع مزيد بيان في ذلك ، وإلا فما في الصحيح أصح ، ويرجح ما في الصحيح بأن رواية حاضر القصة ، بخلاف ابن عباس.
والحقيقة ، كما سنذكر في سبب نزول قصة أصحاب الكهف أن النفر من قريش قدموا إلى المدينة ، واستشاروا اليهود ، كما ذكر ابن إسحاق ، وتظل الآية مكية.
المناسبة :
بعد أن ذكر الله تعالى كيد الكفار واستفزازهم للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وما كانوا يرومون به ، أمره تعالى بالإقبال على عبادة ربه ، وألا يشغل قلبه بهم. وقد تقدم القول في الإلهيات والمعاد والنبوات ، فأردف ذلك بالأمر بأشرف العبادات والطاعات بعد الإيمان ، وهي الصلاة.
ثم وعده ربه في الآخرة بالمقام المحمود وهو الشفاعة العظمى باتفاق المفسرين ، ولما أمره تعالى بإقامة الصلاة والتهجد ووعده بالمقام المحمود ، أمره بأن يدعوه بما يشمل الأمور الدينية والأخروية بقوله : (وَقُلْ : رَبِّ أَدْخِلْنِي ...) والظاهر ـ كما قال أبو حيان ـ أنه عام في جميع موارده ومصادره دنيوية وأخروية. والصدق هنا : لفظ يقتضي رفع المذامّ ، واستيعاب المدح.
ثم أبان الله تعالى أن ما أنزل عليه من القرآن فيه شفاء النفوس والقلوب من الداء الحسي والمعنوي وهو مرض الاعتقاد ، ثم عرّض بما أنعم به ، وما حواه من
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٦٠