(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ..) أي ألم يعلموا ويتدبروا أن الذي أبدع خلق السموات والأرض على غير مثال سبق ، قادر على أن يخلق أمثالهم ، ويعيد أبدانهم ، وينشئهم نشأة أخرى ، كما بدأهم ، فقدرته على إعادتهم أسهل من ذلك : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر ٤٠ / ٥٧] ، (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) [النازعات ٧٩ / ٢٧] فدل هذا على أن خلق الإنسان أو إعادته أهون وأيسر من خلق السموات والأرض ، وأن الإعادة أهون عليه من الابتداء.
لكن للبعث والقيامة أو الموت وقتا محددا ، فقال تعالى : (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ) أي وجعل لإعادتهم وإقامتهم من قبورهم أجلا معينا ، ومدة مقدرة ، لا بدّ من انقضائها ، وبعد مضي تلك المدة تكون القيامة أمرا محتما لا شكّ فيه.
(فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) أي وبالرغم من إقامة تلك الحجة الدامغة عليهم أبى الكافرون الظالمون أنفسهم إلا تماديا في باطلهم وضلالهم ، وجحودا للثابت الصحيح ، وإنكارا للبعث.
وسبب عدم إجابتهم لمطالبهم من القصور والجنات والعيون هو الشح ، فقال الله تعالى : (قُلْ : لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي ..) أي قل لهم يا محمد : لو أنكم ملكتم التصرف في خزائن أرزاق الله لبقيتم على الشح والبخل ، ولأمسكتم عن الإنفاق ، أي الفقر ، كما قال ابن عباس ، أي خشية الزوال والذهاب والنفاد والفراغ ، مع أنها لا تفرغ ولا تنفذ أبدا ؛ لأن هذا من طباعكم وسجاياكم.
(وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) أي بخيلا منوعا ، كما قال سبحانه : (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ ، فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) [النساء ٤ / ٥٣]. أي لو أن لهم نصيبا في ملك الله تعالى ، لما أعطوا أحدا شيئا ، ولا مقدار نقير ، وهو الخيط في