(باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) استعارة تمثيلية ، شبه حاله صلىاللهعليهوآلهوسلم مع المشركين بحال من فارقته الأحباب ، فهمّ بإهلاك نفسه حزنا عليهم.
(فَلَعَلَّكَ باخِعٌ) استفهام إنكاري بمعنى النهي ، أي لا تبخع نفسك لإعراضهم عن الإيمان أسفا.
المفردات اللغوية :
(الْحَمْدُ لِلَّهِ) الحمد : الوصف بالجميل ثابت لله تعالى ، وهو تعليم للعباد كيف يثنون على الله ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي نعمة الإسلام ، وما أنزل على عبده محمدصلىاللهعليهوآلهوسلم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم وفوزهم (الْكِتابَ) القرآن (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) ولم يجعل له شيئا من العوج قط ، والعوج في المعاني كالعوج في الأعيان ، والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معانيه وألفاظه.
(قَيِّماً) مستقيما معتدلا ، لا إفراط فيه ولا تفريط ، فلا إفراط فيما اشتمل عليه من التكاليف منعا للمشقة والحرج ، ولا تفريط فيه بإهمال ما يحتاج إليه. وفائدة الجمع بين نفي العوج وإثبات الاستقامة هو التأكيد ، فرب مستقيم لا يخلو من أدنى عوج عند التأمل. وقيل : قيما على سائر الكتب ، مصدقا لها ، شاهدا بصحتها ، وقيل : قيما بمصالح العباد ، وما لا بد لهم منه من الشرائع ، فيكون وصفا له بالتكميل بعد وصفه بالكمال.
(لِيُنْذِرَ) ليخوف بالكتاب الكافرين وهو متعلق بأنزل (بَأْساً) عذابا في الآخرة (مِنْ لَدُنْهُ) من قبله أو من عنده. حذف المفعول الأول لفعل (لِيُنْذِرَ) ـ وهذا من بديع الحذف وجليل الفصاحة ـ لأن المنذر به هو الغرض المسوق إليه ، فاقتصر عليه ، ودل عليه ذكر المنذرين في قوله : (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا : اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) من غير ذكر المنذر به لتقدم ذكره ، كما ذكر المبشر به في قوله : (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) والأجر الحسن : الجنة.
(ما لَهُمْ بِهِ) بهذا القول أو باتخاذ الولد (وَلا لِآبائِهِمْ) من قبلهم ، والمعنى : أنهم يقولونه عن جهل مفرط وتوهم كاذب ، أو تقليد لما سمعوه من أوائلهم (كَبُرَتْ كَلِمَةً) عظمت ، والمخصوص بالذم محذوف أي مقالتهم المذكورة (إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) ما يقولون في ذلك إلا مقولا كذبا.
(باخِعٌ) مهلك نفسك أو قاتلها (عَلى آثارِهِمْ) أي من بعدهم ، أي من بعد توليهم عن الإيمان (الْحَدِيثِ) القرآن (أَسَفاً) غيظا وحزنا منك ، لحرصك على إيمانهم. والأسف : المبالغة في الحزن والغضب (ما عَلَى الْأَرْضِ) من الحيوان والنبات والشجر والأنهار وغير ذلك (لِنَبْلُوَهُمْ) لنختبر الناس ، ناظرين إلى نتيجة الاختبار (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) في تعاطيه ، وهو من زهد فيه ، ولم يغتر به ، وصرفه على ما ينبغي من الإتقان (صَعِيداً) ترابا (جُرُزاً) يابسا لا نبات فيه.