وجزعا وحزنا عليهم ، بل أبلغهم رسالة الله ، فمن اهتدى فلنفسه ، ومن ضلّ فإنما يضل عليها. والآثار جمع أثر أي على أثر توليهم وإعراضهم عنك.
وللآية نظائر كثيرة منها : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر ٣٥ / ٨] ومنها : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء ٢٦ / ٣] ومنها : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) [النحل ١٦ / ١٢٧].
ثم أخبر تعالى أنه جعل الدنيا دارا فانية زائلة ، وأنها دار اختبار لا دار قرار ، فقال :
(إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها ...) أي إنا جعلنا ما على الأرض من زخارف الدنيا من إنسان وحيوان ونبات ومعادن ومنازل ومباهج ومفاتن زينة زائلة لها ولأهلها ، لنعاملهم معاملة المختبرين ، ليعرف المحسن عمله من الفاسد ، فنجازي المحسن بالثواب ، والمسيء بالعقاب. وحسن العمل : الزهد في الدنيا ، وترك الاغترار بها ، وجعلها وسيلة وجسرا للآخرة.
أخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون».
ثم ذكر الله تعالى سبب التوجيه بالإعراض عن الكفار ، فقال :
(وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) أي وإنا لنصير الأرض وما عليها بعد الزينة إلى الخراب والدمار ، فقوله : (صَعِيداً جُرُزاً) يعني كالأرض البيضاء التي لا نبات فيها ولا ينتفع بها ، بعد أن كانت خضراء معشبة. وذلك مثل قوله تعالى : (فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه ٢٠ / ١٠٧]. والصعيد : الأرض التي ليس فيها شجر ولا نبات. والجرز في اللغة : اليابسة التي لا تنبت ، أو الأرض التي لا نبات فيها.